Header Ads

قراءة في بعض مظاهر اختلالات التدبير الإداري ومعيقات التنمية الترابية والحكامة الجيدة

"هذه المقالة هي في الأصل مداخلة ضمن أشغال الندوة الدولية التي احتضنتها رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير يومي: 5 و6 ماي 2017 حول موضوع "   التدبير الإداري والمالي للجماعات الترابية "

مــقــدمــة

   لا يخفى على كل متتبع للشأن العام المحلي عالميا ومحليا مدى أهمية المجال الترابي كنقطة انطلاق للسياسات والبرامج التنموية بكل تجلياتها في ظل ما أصبح يصطلح عليه اليوم عالميا بالحكم المحلي، والذي يعني حكم الناس لأنفسهم بأنفسهم، ويختلف مداه من بلد لآخر.
   وفي واقعنا المغربي اعتمدت بلادنا نظاما لا مركزيا يقوم على منح الجماعات الترابية دورا أساسيا في تدبير الشأن المحلي بما يخدم الناس ويعيد الاعتبار للتنمية، خاصة وأن هذا الدور سيتعزز أكثر في إطار الجهوية المتقدمة الذي هو بدوره أحد الطرق لتدبير تراب الدولة والذي لا تقدم عليه سوى الدول الراسخة والمتمكنة والمتأكدة من عمق ومتانة وحدتها الترابية، وهو استعداد منطقي لعمل فيدرالي مستقبلا...، وعليه  فإن هذا الحكم تجسده اليوم " الجماعات الترابية " وفقا للدستور الجديد 2011 و القوانين الأخرى التنظيمية والعادية والتي تكرس مبادئ اللامركزية، كطريقة من طرق إدارة تراب الدولة وحقق مكاسب وكانت عليه مؤاخذات...


   وإذا كنا متأكدين من أن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا من الأسفل بدءا من القاعدة وحسب طبيعة وخصائص ساكنة كل منطقة، فإن هذا يعني أن الإطار الملائم والمناسب للتنمية رسميا وشعبيا هو " الجماعة الترابية " والذي خصصنا له حيزا من المناقشة في هذه المقالة.
   غير أن التنمية الترابية الموكولة  " للجماعات الترابية " ليست بالعملية السهلة، فإشكالية التدبير الترابي في الدول النامية لا زال يعتريها الكثير من الغموض، وتجابهها العديد من العراقيل، لذا، يطرح موضوع التدبير الإداري في الدول النامية اليوم، على أنه أحد التحديات الكبرى التي تواجه الدولة، وتجازوه يتوقف على توفر عدة شروط منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي من جهة، ومنها ما هو تدبيري وتسييري من جهة ثانية لتشكل هذه الشروط  في مجموعها " الحكامة التدبيرية الناجعة " الكفيلة بتحقيق النتائج الإيجابية  على أرض الواقع، وغيابها أو ضعفها هو ما أسميناه في هذه المداخلة باختلالات ومخاطر تدبير الجماعات الترابية.
هذه المخاطر متفاوتة مخاطر كبرى ومخاطر صغرى منها ما يتعلق بطريقة تدبير الدولة لترابها على مستوى التقسيم وفلسفته ومنظوره والخلفية التي تتحكم فيه، ومنها ما يهم التدبير الترابي في محله، وهذا الأخير هو الذي يهمنا بالدرجة الأولى سواء على مستوى المفاهيم المؤطرة للجماعات الترابية وطرق تدبيرها، أو على مستوى الثغرات الواردة بالقوانين المنظمة للجماعات الترابية والتي قد يترتب عن إعمالها مخاطر بشأن التدبير الترابي، كما أن تشخيص واقع التدبير الترابي ومراقبته من طرف الهيئات المختصة على رأسها المجالس الجهوية للحسابات تحت إشراف المجلس الأعلى للحسابات، أظهر أن هناك مخاطر لا تهم فقط الاختلالات التدبيرية والتسييرية التي توقفت عندها من خلال ملاحظاتها وتوصياتها بل تعدتها إلى الاعتراف بوجود إكراهات وصعوبات مرتبطة بترجمة  وظائف الجماعات إلى أنشطة وأهداف، وعليه فإن هذه المقالة سنخصصها لبعض مخاطر التنمية الترابية باعتماد منهجية وصفية تحليلية لا تقف عند حدود النص ولكن تتجاوزه لتوظيف تحليل سياسي متحرك وتوظيف مقاربة نقدية لما هو كائن ولما يجب أن يكون بما يخدم عملية التنمية، وذلك من خلال التطرق للمحاور التالية:
المحور الأول: صعوبة استيعاب بعض المفاهيم المرتبطة بالتدبير الترابي (نماذج)
المحور الثاني: الثغرات الواردة بالقوانين المنظمة للجماعات الترابية والتي قد يترتب عن إعمالها مخاطر بشأن التدبير الترابي وأعني بذلك القوانين التنظيمية الجديدة مقارنة بالقوانين المعدلة
المحور الثالث: مخاطر التدبير الترابي من خلال ملاحظات وتوصيات المجالس الجهوية للحسابات،
رابعا: خلاصة عبارة عن توصيات وسبل إصلاح

هذا الثلاثي من المخاطر تناوله وتحليله يقتضي منا الاستعانة بما يوفره العلم من مناهج ووظائف خدمة للناس والتنمية لأن العلم الذي لا يخدم الناس لا يستحق عناء ربع ساعة.

المحور الأول: صعوبة استيعاب بعض المفاهيم المرتبطة بالتدبير الترابي.

  تتضمن المفاهيم المرتبطة بالتدبير الإداري الترابي كثيرا من المصطلحات، منها ما هو تقليدي، ومنها ما هو مستحدث، ومنها ما هو مرتبط بتطوير المقتضيات القديمة في صيغة جديدة، وتعود صعوبة تطبيق بعض المقتضيات إما لعموميتها، أو لصعوبة فهمها، أو لسوء استعمالها، وذلك راجع إلى التركيز على الآليات التدبيرية الجديدة كآليات تطبيقية، دون تحديد فلسفتها، ومفهومها ولا شرحها للناس وللمسؤولين بما يكفي، ولم يتم التنبيه إلى أن فلسفة تنظيم الشأن المحلي تتم على أساس تعاقدي ( مقتضيات الميثاق كما تم تعديله كمفهوم سياسي وقانوني) وليس فقط تنظيم قانوني، مثل: الديموقراطية المحلية – الحكامة الترابية – التشارك – الشراكة- الشأن المحلي – مقاربة النوع- رفع العرائض وتقديم الملتمسات - الحق في المعلومة. المجتمع المدني، وحتى سياق إصلاح اللامركزية كان دائما يخضع لظرفيات سياسية وينبني على عدة مفاهيم ومقاربات: التخطيط التشاركي، الالتقائية، التضامن، تجانس الأغلبية، الجماعة المواطنة، الجماعة المقاولة، المساءلة والمحاسبة. كما بقيت مقتضيات أخرى مستبعدة أو غامضة أو عالقة، لم يتم الاستجابة إليها، أو أنتجتها المستجدات وتحتاج للتوضيح والتفسير، أو التعديل بالزيادة أو الحذف والإلغاء، إنها مفاهيم وقيم وليس مجرد كلمات نزين بها الخطاب، مفاهيم حديثة لها مرجعيتها وفلسفتها، كرؤية استراتيجية، وليس مجرد ترف فكري أو معرفي، او مواضيع للاستئناس، أو موضة للتباهي بأننا دخلنا عصر التنمية والحداثة من بابه الترابي، خاصة وأننا دخلنا في تنمية ترابية في إطار جد متقدم قد يتجاوز ما توفره هذه القوانين الدستورية والتنظيمية والعادية. فالطرح الجهوي المتقدم يستلزم كذلك طرحا متقدما لمعنى إدارة التراب المحلي ليتجاوز مجرد إصلاح اللامركزية فالتراب أصبح مدسترا، كما كان السائد هو أن الدستور يخاطب الكبار لكن الآن يخاطب حتى الأفراد ويمنحهم الحق في التشخيص والاقتراح ورفع العرائض.. ولكن التدبير منتقد كثيرا والتنمية لا زالت بعيدة المنال.
هذه الإشارة الهدف منها إثارة مستلزمات التدبير الترابي الجيد، وقد حاولت المراجعات المتتالية للامركزية إصلاحها في عدة محطات، بهدف تصحيح ما أبان عنه التشخيص من اختلالات قصد تطوير تجربة التنمية الترابية والتدبير الترابي ببلادنا، وسأتطرق في هذا المحور لبعض منها من الأمثلة التالية:
-         المقتضى الديموقراطي والحكامة السياسية في التدبير الجماعي وتدبير التنمية الترابية.
-         المقتضيات المتعلقة بالوصاية.
-         المقتضيات المتعلقة بوضع برنامج عمل الجماعة في مقابل المخطط الجماعي للتنمية.
-         مقاربة النوع.
-         الشراكة والتعاون.
-         النظام العقاري لتراب الجماعة وتأثيره على التنمية.
أقتصر على ذكر مثالين: المقتضى الديموقراطي والوصاية لأن الأول يفيد التوسيع لنطاق التدبير، والثاني يضيقه ونحن لا نميل سوى لتحقيق التوازن.

أولا: المقتضى الديموقراطي والحكامة السياسية في التدبير الجماعي وتدبير التنمية الترابية

 المقتضى الديموقراطي يتجلى في النظرة التي نختزلها عن الديموقراطية المحلية. فبالرجوع إلى الدستور، وإلى الخطاب السياسي، وتصريحات القادة والمسؤولين والباحثين والفاعلين، وفي جميع قوانين وبنود الميثاق الجماعي السابق وحتى في القوانين التنظيمية الجديدة[1]، نجد الكل متفقا على كون الجماعات المحلية سابقا والترابية اليوم مؤسسة ديموقراطية. ولا أعني هنا مناقشة الأمور التفصيلية والتسييرية، فقد يكون فعلا بعضها ديموقراطي والآخر غير كذلك، ولكن أطرح المسألة من حيث المفهوم والمبدأ.
 بعبارة أوضح، الدستور (المادة 146)[2] ينص على الجماعات الترابية كمؤسسة، يسير المواطنون شؤونهم من خلالها بشكل ديموقراطي وهو ما تنص عليه كذلك المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 113.14[3] بخصوص شروط تدبير الجماعة لشؤونها بكيفية ديموقراطية (م 7) وتمثيليتها في تلك المجالس، لكن في الواقع لا نجد مواكبة ميدانية لهذا التنصيص.
رغم التنصيص الدستوري فإن صلاحيات الجماعات المحلية لا يمكنها أن تتعدى في جميع الأحوال، إلى الصلاحيات السياسية، إنه تناقض بين تسيير الشأن الترابي والتنمية الترابية من طرف السكان، وبين ما هو مسموح لها به فعلا، خاصة إذا ما استحضرنا ورش الجهوية المتقدمة ونحن نعلم أن الجماعات الترابية أحد روافدها التي بدورها يجب أن تكون متقدمة بحيث تبدو هنا هذه الجهوية جد مقلصة وضيقة، ما دام أن المبادرة السياسية محدودة، لأن كلمة تسيير شؤونهم بأنفسهم، تعني بشكل صريح ممارسة الصلاحيات السياسية المحلية، أي اتخاذ القرار السياسي المحلي في التنمية الترابية، فكلمة الديمقراطية المحلية، هي كلمة سياسية بلا شك. إن التقييد السياسي المفرط يحد من أية مبادرة لتنمية حقيقية مهما بذلت من جهود، لأن كلمة التدبير والتنمية والبرمجة والتخطيط وبرنامج عمل والتداول... هي قرارات سياسية قبل كل شيء. ما الفائدة من الرقي الدستوري والتنظيمي للتراب؟ الكل مدستر ولم يعد الدستور يخاطب فقط الكبار لكن النتائج ضعيفة وصلنا إلى السقف ولم يعد أمامنا سوى التفعيل.
إن كل ما يتصل بالشأن الترابي تنظيما وممارسة، ذو طبيعة سياسية، مثلا: التقطيع الانتخابي، التسجيل في اللوائح، الترشيح للانتخابات، تهيئ البطائق، الحملة الانتخابية وتخصيص يوم للاقتراع من أجل المشاركة السياسية للمواطنين في اختيار من يمثله في المجالس الجماعية عبر الإدلاء بأصواتهم بكل حرية، تشكيل المجالس، الأغلبية والمعارضة، التداول في المجالس، مراقبة المعارضة للأغلبية... بل اعترفت المجالس الجهوية للحسابات أن التحكيم السياسي هو السائد في تدبير عمل الجماعات وليس الشفافية أو تطبيق القانون، ألا تعتبر هذه العمليات سياسية؟ كيف يمكن للمجالس الجماعية أن تضع خططا وبرامج... دون أن يكون لها تصور ورؤية سياسيين مستقلين إلى أقصى درجة ممكنة؟
  بالمقابل، يمنع عليها النظر في الأمور السياسية، عن أية حكامة تدبيرية هنا نتحدث؟ إن التنمية هي بالجملة قرار سياسي، وفي غياب القرار السياسي المحلي، يصبح معه الحديث عن حكامة التدبير بكل تجلياتها حديث بدون روح، وأن أهمية التنصيص الدستوري والقانوني للتدبير، لا تستتبعه بالضرورة نفس الأهمية على أرض الواقع، وهنا سنعيش وهْم الحكامة التدبيرية مهما حاولنا اصلاح نظامنا الترابي.
 إننا نعتقد أن طبيعة المنع السياسي، أو الوصاية السياسية على القرار المحلي، يتنافى مع الحكامة الديمقراطية[4]، ويجب إعادة النظر فيه، وذلك بإدخال إصلاح عميق على قوانين الجماعات الترابية لتقرر في مصيرها بنوع من الاستقلالية التدبيرية، بعد ذلك يمكن الحديث عن الحكامة الترابية، ولكن قبل ذلك لا بد من التأهيل الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي...، لأنه لا ينبغي أن تؤدي هذه الاستقلالية، إلى تنكر الدولة لوحداتها. طبعا الاستئناس بالتجارب محبذ، ولكن التطبيق يجب أن يكون ضمن الواقع المغربي، خاصة بالنسبة للجماعات الفقيرة، فالتكامل هو المطلوب، والوحدة هي المنشودة، ضمن منظور تنموي شمولي يراعي الخصوصيات ويحترم الهويات، ويحارب الأنا، ويقوي الوحدة.

ثانيا: المقتضيات المتعلقة بالوصاية

 وهي مرتبطة بالمقتضى الديموقراطي تحليلها يتجاوز مجرد النصوص وتوزيع الاختصاصات.
أقصد فقط أن الاستعمال السيئ لها يعيق تطوير التدبير المحلي للتنمية، الوصاية المبالغ فيها أو غير الدقيقة، تحمل بين طياتها ترجيح كفة على أخرى، وهي عبء ثقيل يرهق كتف المجالس الجماعية، لذا حولتها أروبا إلى الوصاية البعدية، ومن المفترض فيها العمل على تقويم السلوكات المختلة للمسؤولين المحليين، ومواكبة العمل الجماعي، وذلك على أساس مقاربة يحل فيها منطق الدولة المواكبة، محل منطق الإدارة الوصية والانتقال من المقاربة القطاعية لتدخل مصالح الدولة فوق تراب الجماعات، إلى المقاربة التعاقدية والتشاورية حول مشاريع تنموية مندمجة. وليس استعمالها كآلية للاستغلال السلبي والابتزاز أحيانا، كفرض أتاوى ومساهمات لإقامة حفلات وتنظيم مهرجانات لا تستفيد منها الجماعة في شيء.
   وبهذا المعنى يصبح للوصاية تأثير سلبي على تنمية الجماعات الترابية، في تناقض مع القانون والخطاب السياسي[5]، أي في ظل علاقات غير سليمة وغير شفافة وغير ديمقراطية، تبديد الثقة بين المنتخبين والسلطات المحلية.
    مهما كثر الحديث عن الحكامة التدبيرية كأداة للتنمية، ومهما كثر الحديث عن كون الجماعات تدير شؤونها بشكل ديموقراطي، ومهما تحدثنا عن برامج التنمية الترابية، ومهما تحدثنا عن حرية المجالس في وضع جدول أعمالها، من برامج، وما تتداوله من نقاش، ومهما ذكرنا بكون رئيس المجلس هو المنفذ لمقررات المجلس، فإنه يجب أن نتذكر الفصل 145 من الدستور وحمولته الصريحة والضمنية، الذي يقول بأن الولاة والعمال يساعدون رؤساء هذه المجالس على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وهم بذلك حقيقة يؤمنون تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، ويمارسون المراقبة الإدارية. ناهيك عن عدة نصوص تنظيمية متفرقة ترهن تطبيق الدستور نفسه
ماذا لو لم تتلاءم سياسة مجالس معينة مع ما يراه ممثل السلطة المركزية العامل والوالي؟، ثم ماذا عن الجماعات الفقيرة التي تعيش على مساعدات الدولة والضريبة على القيمة المضافة؟
أنني أصبحت على يقين بأن الدستور والسياسة يوجدان في كل شيء إلا في الوصاية، الدستور اخترق كل شيء إلا مقتضيات الوصاية.
ينبغي إعادة النظر ليس فقط في توزيع الصلاحيات وتحديد الاختصاصات بشكل دقيق وواضح بين الدولة والجماعات الترابية ولكن أيضا توضيح بناء على أي أسس فكرية وفلسفية وسياسية تقوم هذه العلاقة بما يؤهل الجماعات الترابية ويخدم التنمية، فالمطلوب هو التطبيق السليم لقواعد الوصاية بما يخدم التنمية الترابية والساكنة، وليس بتوظيفها عصا في عجلة، والوصاية المقصودة هي الوصاية بأبعادها القانونية والإدارية والمالية، التي ينبغي أن تمارس بهدف الحفاظ على المصلحة العامة للساكنة المحلية، والوقوف ضد أي خلل يعرقل السير العادي للمجالس الجماعية أو يخرق القانون.
إن ما يجعلنا نلح على ضرورة عقلنة ممارسة الوصاية على المجالس الجماعية هو الحرص على تطبيق الدستور والقوانين المؤطرة للتدبير الترابي الجماعي، فلا يعقل أن يرهن أو يعلق تطبيق  مقتضيات جد هامة من المواد الأساسية بآجال صدور نصوص تنظيمية ومراسيم لمدة طويلة قد تصل إلى نصف دورة المجالس وقد لا تصدر بالمرة فتفقد النصوص الأصلية معناها وراهنيتها مع مرور الوقت.
ومن بين الأمثلة نورد الحالات او المواضيع الآتية:
1 " تنفيذ إجراءات تسليم السلط وفق الشكليات التي تحدد بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية."، 2 و " يحدد بنص تنظيمي شكل العريضة وطبيعة الوثائق الاثباتية التي يجب إرفاقها بها حسب كل حالة. " ، 3" و يتقاضى رئيس مجلس الجماعة ونوابه وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم تعويضات عن التمثيل والتنقل تحدد شروطها ومقاديرها بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. " ، " 4 ودراسة الهيكلة الإدارية للجماعة طبقا للشروط المحددة بقرار السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والموافقة عليه. "، 5 و "وضع نظام العنونة المتعلق بالجماعة، ويحدد مضمونه وكيفية إعداده وتحيينه بموجب قرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. " 6 و "يمكن في الجماعات ذات نظام المقاطعات إحداث وكالة محلية لتنفيذ المشاريع، بمثابة مؤسسة عمومية محلية يحدد كيفية إنشائها ونظام اشتغالها وتسييرها وقواعد المالية والمحاسبية بقانون." ، 7 و "تحدث بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية الأتاوى والأجور عن الخدمات المقدمة المشار إليها في المادة 141 أعلاه. " ، 7 و" تخضع عمليات الاقتراضات التي تقوم بها الجماعة لقواعد تحدد بنص تنظيمي يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية." 8 و" وتحدد بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية كيفية تطبيق مقتضيات هذه المادة " دون التقيد بأجل محدد مما يؤدي الى التعطيل والتأويل والتضارب..
لذا يجب وضع آجال محددة لصدور تلك المراسيم والقرارات والقوانين حتى لا تبقى مقتضياتا وتدابير هامة من القوانين المنظمة للتدبير الترابي بما فيها المقتضيات الدستورية مجرد حبر على ورق كما وقع في القوانين القديمة، وقد تمر سنوات بل عقود دون أن ترى النور تلك المراسيم والقرارات والقوانين، وما أحوجها إلى من يخرجها من الرفوف ويزيل عنها الغبار، أنظر هنا كيف أن الإداري يقيد الدستوري، تطبيق الدستور مقيد بسلطة الإدارة بالمعنى الضيق، أي سلطة الداخلية في أغلب الحالات.

المحور الثاني: الثغرات الواردة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية والتي قد يترتب عن إعمالها مخاطر بشأن التدبير الترابي


المحور الثالث: مخاطر التدبير الترابي من خلال تقارير المجالس الجهوية للحسابات

لقد أحسن المشرع صنعا عندما أدخل القضاء في بعض قضايا مراقبة التدبير الترابي، لكن ليس بالضرورة أن يستتبع تدخله المتابعات القضائية إلى نهايتها بحيث يبدأ مسلسل التدخل ثم يتوقف وتنقطع حلقاته في لحظة ما لسبب مبرر أو غير مبرر، خاصة ما يتعلق بالاختلالات الناتجة عن الاخلال بالتعاقد السياسي بين مجالس الجماعات الترابية والساكنة بحيث يفترض أن من يتولى معاقبة المخلين بهذا الالتزام هم السكان بعدم تجديد ثقتهم وانتخابهم مرة ثانية لأولئك المخلين[14]، وهذا المسلك يؤدي إلى تنصل الدولة من مسؤوليتها
 بخصوص متابعة ومراقبة مجالس الجماعات الترابية، ونعتقد أن هذا المسلك الأخير يكون صحيحا في حالة الاستقلالية الحقيقية للجماعات الترابية بحيث يمكن الحديث عن تعاقد سياسي بين السكان والمجالس التي تمثلها، وحجتنا في ذلك هو أنه عندما تثار مشاكل التنمية والاختلالات التدبيرية والتسييرية لأغلب الجماعات الترابية يلجأ المواطن مباشرة إلى أعلى سلطة في الدولة متجاوزا جميع الوسائط، ففي مثل هذه الحالات تغيب المجالس الجماعية وتصبح عاجزة عن مواجهة الأزمة كما لا يعود وجود لا لأحزاب سياسية ولا لنقابات ولا لجمعيات... الكل ينبري للوراء ولا يظهر من يتحمل مسؤولية التدبير والتسيير، فالمواطن لا يعرف إلا الدولة كمؤسسة المؤسسات، وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين الأخرى التي تؤطر التدبير العام للجماعات الترابية وتمثيلية السكان...، مما يحد من المكتسبات وينعكس سلبا على التنمية الترابية في أغلب الجماعات.
 وإذا نزلنا إلى الممارسة وشخصنا ما يجري على أرض الواقع، نجد أن معظم التقارير الرقابية المتعلقة بأنشطة المحاكم المالية كشفت عن وجود مخاطر واختلالات سواء على مستوى ضعف التخطيط والبرمجة، أو على مستوى تدبير المشاريع أو حتى على مستوى ضبط التسيير العادي لشؤون الجماعة، خاصة في العالم القروي التي لا تقوم أغلبيتها حتى بالمراقبة الداخلية، بل ولا تعقد لجانها اجتماعاتها بشكل عادي، بل ولا يحضر رؤساؤها اجتماعات المجالس التي هم يترأسونها لسبب مبرر أو غير مبرر، فأية تنمية نريد؟ وعن أية حكامة نتحدث؟ لذلك تقترح المجالس الجهوية للحسابات ضرورة تبني التدبير بالأهداف من خلال تنمية وظائف التفكير الاستراتيجي المتعلقة بالاستشراف والتخطيط بعيد المدى لمواجهة التحولات الجديدة، وتنزيل استراتيجيات في المستوى المناسب للحد من مظاهر التبذير والعشوائية  وتسهيل عملية التقييم بوضع تقارير دورية تتضمن حصيلة التدبير الجماعية تُقدم لشركائها وللدولة وللعموم. 
ونقدم في الموالي بعضا من الملاحظات والاقتراحات التي هي مزيج من خلاصات واقتراحات للمجالس الجهوية للحسابات استخلصناها من تقارير قابلة للتعميم على أغلب الجماعات لتقارب وضعها ومشاكلها من جهة، وما يثيره الفقه مما هو معمول به في بعض التجارب الدولية التي من شان الأخذ بها أن يساهم في تفعيل التدبير الإداري ويرفع من إيقاعه ويحسن جودته من جهة أخرى

أولا: ملاحظات عامة ومتواترة للمجالس الجهوية للحسابات على المجالس الترابية في محلها

تمارس المجالس الجهوية للحسابات اختصاصاتها ومراقبتها على تدبير وتسيير الجماعات الترابية طبقا لمقتضيات مدونة المحاكم المالية  في إطار برنامج سنوي يتم من خلاله تعيين لجنة مراقبة تتكون من قضاة مستشارين مساعدين يتكلفون بمراقبة التدبير الجماعي للجماعات من خلال الانتقال إلى عين المكان  والاطلاع على جميع الوثائق والمستندات والاستماع إلى المسؤولين عن التسيير والموظفين التابعين للجماعة المعنية للإحاطة بالمخاطر والاختلالات المحتملة وذلك بوضع مجموعة من الملاحظات يتم توجيهها إلى رئاسة المجلس المعني ليرد ويعقب عليها قبل وضع المجلس الجهوي لتقريره.
فما هي أهم مظاهر مخاطر التدبير الإداري للجماعات الترابية من وجهة نظر المجالس الجهوية للحسابات ومراقبتها؟ وقبل ذلك ما المقصود بمراقبة التدبير الذي تقوم به المجالس الجهوية للحسابات؟ وما هي أهمية هذه المراقبة وجدواها؟

1 - مفهوم ودلالة مراقبة التدبير[15]

هو منهجية خاصة للتحري والتقييم انطلاقا من مرجع معين تهدف إلى تقدير كيفية قيام الأجهزة الخاضعة للمراقبة بتدبير شؤونها والإدلاء عند الاقتضاء باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرق التسيير والزيادة في فعاليته ومردوديته.
المراقبة تعني الانتباه، التحكم، التوقع، الاستباق، القيادة.
التدبير مسلسل للتخطيط والتنظيم والتنسيق واتخاذ القرار والمراقبة وتنصب على الموارد البشرية والمالية والتقنية لتحقيق الأهداف بشكل فعال وناجح[16].
وتمارس هذه المراقبة أجهزة مستقلة تنتمي لهيئات مختلفة قضائية وإدارية وخاصة المحاكم المالية التي تعتبر أعلى هيأة لممارسة المراقبة العليا على المال العام.
ونطاق تطبيق هذه المراقبة هو الجماعات الترابية وهيئاتها والمقاولات ذات الامتياز والشركات التي تساهم فيها الجماعات الترابية وحدها أو مع غيرها بأغلبية الأسهم أو بسلطة اتخاذ القرار.
وتقوم بها المجالس الجهوية للحسابات طبقا للمادة 148 من مدونة المحاكم المالية[17] وذلك بهدف ضمان الاقتصاد والفعالية والنجاعة.

2-  مخاطر التدبير الترابي من خلال بعض ملاحظات وتوصيات المجالس الجهوية للحسابات

أ - افتحاص وتشخيص مخاطر التدبير

 هناك عدة مخاطر تشترك فيها أغلب الجماعات[18]
أ- 1- مخاطر على مستوى التنظيم الاداري للجماعة وهيكلتها التنظيمية
+ ضعف المراقبة الداخلية:
-       عدم انتظام اجتماعات بعض اللجان الدائمة للجماعة الترابية.
-       تداخل الاختصاص بين مصالح الجماعة وغياب التنسيق بين هذه المصالح.
-       عدم الفصل بين العمليات المتعلقة بالمداخيل والجمع بين وظيفة تحديد الوعاء الضريبي ومهمة استخلاص الرسوم.
-       وجود هياكل غير مفعلة على أرض الواقع.
-       غياب التقارير الدورية لأنشطة المصالح الجماعية.
-       غياب قرارات تعيين المسؤولين عن المصالح الجماعية وحتى لما توجد فإنها تكون مشوبة بعيوب.
أ- 2- مخاطر سوء تدبير الموارد البشرية[19]
-       الاستفادة من التعويض بدون سند قانوني مقابل ظاهرة الغياب والتأخر عن العمل وغياب استراتيجية واضحة للتوظيف والتكوين المستمر.
-        اللجوء الى الوضع رهن الإشارة.
أ-3- مخاطر سوء تدبير المداخيل والمبالغ المستخلصة
-        عدم ضبط الوعاء الضريبي واستغلال الملك الجماعي بشكل عشوائي أو بغض الطرف لأغراض تجارية وغياب كناش للجرد ومحاضر إثبات لما تنجزه الجماعة من التجهيزات وتهيئة الطرق وعدم تنفيذ مقتضيات دفتر التحملات الخاصة بتدبير المحطات ومحطات الوقود والاسواق الاسبوعية وحضيرة السيارات... والأكرية..
-       استغلال الملك الجماعي بشكل غير منظم وعدم قيام الملزمين بأداء الدفوعات الناتجة عن عمليات تجزئة الاراضي وتطبيق اسعار مختلفة على مؤسسات من نفس النوع دون سند قانوني وعدم القيام بإجراءات تحصيل الضرائب المستحقة للجماعة.
-       ظاهرة الباقي استخلاصه وارتفاعه المتزايد بسبب تهاون المصالح المعنية.
أ- 4-  مخاطر عدم احترام مقتضيات الصفقات واجراءاتها الادارية والمسطرية، كتكليف مقاول ببدء الاشغال قبل المصادقة عليها، أو إنهاء الأشغال قبل موعدها أو تنفيذ أشغال غير واردة بدفتر التحملات. أو تسليم شيك قبل بدء الأشغال..
   أ- 5-  غياب قواعد أو سند قانوني في استفادة جمعيات من المساعدات والمنح الجماعية وبدون أي تتبع رغم أن مقراتها مغلقة.
أ- 6 -  عدم عقلنة تدبير الهواتف ومعدات المكتب وتدبير الوقود، وغياب سجلات الجرد ومحاضر توثيق التحويل إلى مصالح خارج الجماعة...
هذه فقط بعض المخاطر التي أوردناها على سبيل المثال من خلال المهمات التقييمية التي أنجزتها المجالس الجهوية للحسابات، قَدمت بشأنها هذه الأخيرة توصيات وسبل  للإصلاح.

ب - توصيات المجالس الجهوية للحسابات للحد من مخاطر التدبير الجماعي[20]

ب- 1- على مستوى التنظيم الإداري والمراقبة الداخلية:
-       ضرورة وضع برنامج سنوي لعقد اجتماعات اللجان لتفعيل دورها في تسهيل عمل المجالس أثناء انعقاد دوراتها، وتطبيق القانون في حق المتغيبين بدون سند قانوني.
-       ضرورة وضع هيكل تنظيمي لتحديد الصلاحيات والمسؤوليات وتفادي التداخل في الاختصاصات وتفعيل أدوار جميع مصالح المجلس.
ب 2 - بالنسبة لضبط الممتلكات الجماعية وتدبير المداخيل[21]:
-       ضرورة تحفيظ ممتلكات الجماعة وتصفية وضعيتها القانونية وتحيين كناش مشمولات أملاك الجماعة ومسك سجلات للجرد والتتبع للاستهلاكات والأدوات ووضع قوائم مفصلة للموجودات وتتبع عمليات الصيانة والتسيير والتجهيز من خلال اعتماد بيانات تقنية لضبط المداخيل والنفقات لتسهيل تطبيق الاجراءات الزجرية على المخالفين، ومحاربة التهرب الضريبي وعمليات استخلاص الرسوم  بمحتلف أشكالها المستحقة للجماعة من جهة، ولتوفير الوثائق والمستندات وتنظيم احصاءات دورية لتحديد الخاضعين للضرائب والرسوم المحلية قصد الاطلاع عليها وإثبات صحة المعلومات الواردة في الإقرارات من جهة ثانية، مع ضرورة الفصل بين مهام تحصيل الرسوم ومهام تحديد وعائها وتصفيتها ووضع الأوامر باستخلاصها.
-       كذلك أوصت المجالس الجهوية للحسابات الجماعات بضرورة استيفاء المبالغ المستحقة لفائدة ميزانيتها المترتبة عن استغلال الأملاك الجماعية ومراجعة السومة الكرائية وأن التهاون والتواطؤ أحيانا وعدم زجر المخلين هو الذي كان وراء ارتفاع وتراكم الباقي استخلاصه والذي يقارب في كثير من الجماعات نصف تحصيلها من الضرائب والرسوم.
ب- 3 - ضرورة تدبير الموارد البشرية وترشيد النفقات الجماعية:
+ تصحيح الوضع رهن الإشارة بالنسبة لهؤلاء الموظفين وإرجاعهم لجماعتهم وتسوية وضعيتهم مع احترام المقتضيات القانونية ووضع حد لتحمل الجماعة لنفقات لا تندرج ضمن تحملاتها في حالات كثيرة والتي تستفيد منها مصالح غير تابعة لها.
+ التقيد بمساطر وإجراء إنجاز الأشغال عن طريق الصفقات العمومية احتراما لمبدإ المنافسة  والمساواة بخصوص الطلبيات العمومية سواء بالنسبة لعقد الصفقة أو إنجاز الأشغال أو عند إنهائها تحت طائلة أداء غرامات عن كل مخالفة.
+ تأطير علاقات التشارك فيما يخص الاختلالات الناتجة عن عدم احترام القانون فيما يخص الإعانات الممنوحة للجمعيات وذلك من خلال وضع برنامج تحدد فيه البيانات والوثائق وموضوع الإعانة وكيفية صرفها.
ناهيك عن عدة ملاحظات فيما يخص تصاميم التهيئة ورخص البناء وتدبير الاستثمار والتسيير المفوض لقطاع النظافة والماء والكهرباء[22]
غير أن المجالس الجهوية للحسابات وهي تقوم بدورها في الافتحاص والتقييم لم يفتها تسجيل عدة صعوبات تحول دون افتحاص حقيقي وموضوعي في جميع الحالات مثل الصعوبات المرتبطة بالوسائل كندرة الموارد وعدم التناسب بين الاعتمادات المفتوحة في الميزانية وتكاليف تسيير مختلف المصالح، وكذلك عدم التناسب بين الاعتمادات المرصودة والاهداف المراد تحقيقها وهذه الصعوبات ليست بالضرورة ناتجة عن سوء التدبير ولكنها مرتبطة بوضع الجماعات التي ليست لها موارد وتعيش على مساعدة الدولة، إذ رغم اقتراح المجالس الجهوية للحسابات على الجماعة تنمية مواردها واعداد الميزانية باعتماد كلفة التسيير الخاصة بكل مصلحة أو الكلفة التقديرية للمشاريع فإنه ينأى بنفسه عن الدخول في مثل هذه المتاهات بتسجيل ملاحظات عامة وتوصيات للاستئناس مما يطرح جدوى وأهمية مراقبته لمثل هذه الحالات على أرضية النقاش.

3- جدوى وأهمية مراقبة المجالس الجهوية للحسابات

 المجالس الجهوية للحسابات تضع تقاريرها وترفعها الى المجلس الأعلى للحسابات الذي يقدم بدوره تقريرا إلى الجهات المعنية والمجالس تقوم بالمراقبة وقد تمارس مهاما شبه قضائية عندما ترى أن هناك اختلالات ذات طبيعة تأديبية مثلا وتحيل الملف على النيابة العامة، لتبقى المهمة التقييمية للمجالس مناسبة يُستخلص منها استنتاجات ذات طبيعة استراتيجية وعملياته بمثابة توجهات جوهرية للإسهام في تطوير نمط التدبير الترابي وليس محكمة لمعاقبة مسيري التدبير الترابي لأن التدبير المحلي يقوم على أساس تعاقد الجماعة مع عدة شركاء لتنفيذ برنامج معين يتولاه من تختارهم ساكنة الجماعة كتعاقد سياسي، لذا فهو يشخص الوضعية ويقدم توصيات وملاحظات ولا يصدر أحكاما على نجاح او فشل تجارب جماعية، وفي هذه الحالة فإن المختص بإنزال العقاب هم من صوتوا لمن لم يستحق، وذلك بعدم منحهم الثقة في الانتخابات الموالية.
كما أن المجال الترابي يتميز بتعدد الفاعلين والشركاء الذين يختلفون من حيث المصالح مما يستدعي القيام بنوع من التحكيم بين مختلف الفرقاء.
هذه العملية تفرض على المنتخبين اعتماد بعض الليونة في التسيير وأحيانا بعض الغموض والعمل بعيدا عن متطلبات الشفافية، لذلك فإن اعتماد أي نظام للشفافية داخل الجماعات الترابية يحد من سلطة المنتخبين في القيام بالتحكيم السياسي لذا يجب على الديموقراطية أحيانا أن تستريح وتنام بعض الشيء وراحتها تتطلب الحد من أشعة الشمس، أي عدم اعمال الشفافية وتطبيق القانون.
ومع ذلك تبقى أهمية وجدوى مراقبة المجالس للجهوية للحسابات لمخاطر التدبير الترابي مهمة لأنها تساعد على:
-       التوقع: من خلال معرفة وتحليل الكلفة واستغلال الإحصائيات المتوفرة بحثا عن الجودة سواء كان التوقع قصير المدى من خلال وضع برنامج عمل لأقل من سنة، او متوسط المدى يرتبط بالأهداف المسطرة لسنة، أو بعيد المدى يهم الأهداف الاستراتيجية للجماعة من 3 إلى 6 سنوات
-       اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب: لأن المعرفة وتوفر المعلومات في  الموقت المناسب يساعد على اتخاذ القرار المناسب لاتخاذ الاجراءات التصحيحية اللازمة عند الضرورة لتحقيق المردودية المالية والبشرية والتقنية أو على الاقل الحد من المخاطر في حالة صعوبة تفاديها كالأزمات المالية والطبيعية جفاف تصحر فيضانات.... 

المحور الرابع: توصيات عامة وختامية

بالإضافة إلى الملاحظات والتوصيات التي قدمتها المجالس الجهوية للحسابات تحت إشراف المجلس الأعلى للحسابات بشأن اختلالات ومخاطر التدبير الترابي وسبل الإصلاح إضافة إلى ذلك ومن أجل الرفع من جودة التدبير الجماعي، والاختيار الديمقراطي المحلي، وبالتالي تلافي مخاطر التدبير الترابي، يقتضي الأمر تفعيل التوصيات التالية:
التوصية الأولى: الجماعات الترابية في المغرب يتوجب تحديد علاقتها بدقة مع المركز، سواء في إطار موسع، أو متقدم، أو أي نموذج مبسط أو معقد يخدم التنمية، وفي جميع الحالات لا يمكن أن تتحقق التنمية إلا بتوفر أرض، وسكان، وسلطة، بما تحمله الكلمة من معنى، القدرة على البت في الصلاحيات وليس مجرد تحديد صلاحيات جماعات ساكنة تبقى دائما مقيدة، حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته، ولا يلقي طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر، وأحينا الدولة تجد مخرجا او تبحث عن منافذ بدون مساءلة، والخطير هو أن الدولة تبقى دائما المخاطب المباشر مع المواطنين مما يعني لا طائلة من الوسائط بمختلف مواقعها الرسمية وغير الرسمية، لذا  يجب تغيير طبيعة العلاقة التي تربط الدولة المركزية بالجماعات الترابية، وبنائها على أسس مغايرة تماما لما هي عليه الآن: علاقة المراقبة والوصاية بعلاقة تؤسس على مبادئ ديمقراطية، كالثقة والتشاور والتعاون، وعلى قواعد جديدة في التدبير الوطني – المحلي, كالمسؤولية والفعالية والمردودية. إذ ان أنجع القواعد في الإدارة والتدبير والتسيير هي القواعد المبنية على أساس اكتساب الثقة في النفس والتحلي بالنزاهة والمسؤولية والتحفيز والتشجيع المادي والمعنوي.
التوصية الثانية: يجب التقليل من حدة الرقابة أو الوصاية على الجماعات الترابية بما فيها الرقابة المالية والإدارية، والكف عن اعتبار المنتخب قاصرا يستلزم الأمر الوصاية عليه، وإحداث نوع واحد من المراقبة، مراقبة مسؤولة، مراقبة بعدية. فالمنتخب محليا، جهويا له كامل الصلاحية في تنظيم وتسيير جماعته والإشراف عليها ما دام يسيرها بنزاهة وكفاءة ومسؤولية، وإن زاغ عن الطريق المستقيم يساءل ويحاسب حسب المقتضيات المعمول بها، ولم لا حذف مصطلح الوصايا من قاموسنا وجعل القضاء  (المختص) المؤهل الوحيد للنظر في اختلالات ومخاطر التدبير الترابي.
 التوصية الثالثة: يجب العمل على تجاوز التفتيت القانوني ومحاولة جمع كل هذه القوانين التنظيمية، بل كل القوانين الأساسية المتعلقة بالجماعات الترابية، مع دراستها وتدقيقها واختزالها في قانون واحد, مبسط, واضح, ودقيق: القانون التنظيمي للجماعات الترابية, أو المدونة العامة للجماعات الترابية.
التوصية الرابعة: يجب العمل على بناء وتطبيق برنامج وطني شامل، متعدد السنوات، برنامج طموح، واسع وممتد، لتكوين المنتخب الجماعي في مجالات متعددة الاختصاصات كالتعليم واللغات والإدارة والمالية والتدبير والتسويق الترابي والحكامة، سعيا إلى إشعاره بالمسؤولية في التدبير الجماعي وربط فعلا المسؤولية بالمحاسبة والتخليق الفعلي للشأن العام المحلي وللحياة السياسية الجماعية.
ولما كان المال عصب الحياة، والإنسان أكبر رأسمال يمكن استثماره، والأرض مصدر الثروة، فإنه يجب التوفر كذلك على المال الكافي للتمويل والعنصر البشري الكفء وعقار خالص أو أرض تقام فوقها مشاريع التنمية والاستثمار، وانه في غيابها  تبقى معه هذه التوصيات مجرد متمنيات نرددها في المحافل والملتقيات العلمية وفي مدرجات الجامعات، لذا  يجب توفير الوسائل الضرورية لحسن سير المؤسسات الترابية. وتكمن هذه الوسائل في دعم الجماعات الترابية بموارد بشرية كافية، وتزويد التدبير الجماعي بتجهيزات تكنولوجية لائقة وملائمة مع متطلبات التدبير الجيد، وتوفير إمكانيات وصلاحيات تمكنها من اكتساب موارد مالية كافية ومتنوعة، وإمكانية استثمارها في مرافق عمومية محلية جديرة بخدمة مواطن اليوم والغد جودة وفعالية وليس الاكتفاء بمده ببعض الوثائق التي يقال أن المواطن أصبح بإمكانه أن يسحبها إلكترونيا... وإلا ما الفائدة من وجود المجالس المنتخبة. وقبل ذلك لا بد من توضيح الأسس الفكرية والفلسفية لنوعية إدارة هذا التراب ونوعية العلاقة هل ملكية أم جزء أم مجرد نطاق أم كل هذه أم لا هذه ولا تلك؟
وأختم بالتساؤل التالي: لماذا وجدت المجالس والجماعات الترابية؟ ولماذا نتصارع للترشح والفوز بعضويتها وبإدارتها؟ هل لنخدمها أم لتخدمنا؟





[1] - القانون المنظم للجماعات الترابية يعترف لهذه الجماعات بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي، إلا ان مبدأ الاستقلالية وإن كان يمثل روح اللامركزية في بعده الإداري فإن تكريسه في الممارسة العملية يقتضي - إضافة إلى توفير الموارد المالية والبشرية ( منتخبين ـ موظفين ) والتقنية الضرورية- السماح باستحضار البعد السياسي في حدود معينة لحسن سير هذه الجماعات، فالتوافقات السياسية بين مكونات المجالس هي التي غالبا ما تؤخذ بالحسبان في اتخاذ القرارات، ولأن تسيير الجماعات الترابية بحكم الدستور والقوانين تقوم على التعاقد السياسي بين سكان الجماعات والمجلس التي تمثلها.
[2] - ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، جريدة رسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليو 2011، ص 3600.
[3] -   ظهير شريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، جريدة رسمية عدد 6380 بتاريخ 23 يوليو 2015، ص 6660.
[4] - للتوسع في مفهوم الحكامة الديموقراطية أنظر:
·  BELLINA Séverine, MAGRO Hervé, DE VILLEMEUR Violaine (dir.), La Gouvernance démocratique : Un nouveau paradigme pour le développement ?, Editions Karthala, Coll. Hommes et sociétés, 2008, 608 p. 
[5] - سواء في خطاب الملك محمد السادس، أو في خطاب الراحل الحسن الثاني الذي قال في إحدى المناسبات " يجب حذف مصطلح الوصاية من قاموسنا " والمسؤولون المباشرون هنا، هم الولاة والعمال،  بعد نقل وصاية الدولة على الجماعات المحلية  إلى هؤلاء، وهذا الموضوع كان محط نقاش في عدة مناسبات، منها الملتقى الوطني للجماعات المحلية  بأكدير في 12 دجنبر 2006 .

[6]- الجيلالي شبيه: دراسة نقدية في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، مقالة منشورة على الرابط الالكتروني التالي: https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/05/24/404818.html اطلع عليه بتاريخ 25 يوليوز 2017..

[7]- المرجع نفسه.
[8]- محمد بوجيدة: قراءة نقدية للقانون رقم 78.00 المتعلق بتنقيح الميثاق الجماعي، المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، سلسة مواضيع الساعة، عدد 44، 2003، ص 130.
[9]-  Abdelwahed OURZIK : intervention au colloque national sur les marchés publics organisé par la Trésorerie Générale du Royaume les 20 et 21 avril 2009 sous le thème : «gestion des marchés publics Etat des lieux et perspective», p 19.
[10]- من أجل مزيد من التفاصيل، راجع عبد اللطيف برحو: مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية المحلية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 70، الطبعة الأولى، 2011، ص 149.
[11]- أنظر على سبيل المثال المادة 280 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات ومقابلاتها في باقي نصوص الجماعات الاخرى.
[12]- كما هو الشأن مثلا بالنسبة لمرسوم التكوين المستمر للمنتخبين، ومرسوم المحاسبة العمومية للجماعات الترابية، ومعظم النصوص والقرارات المتعلقة بإعداد وتنفيذ الميزانية السنوية للجماعة والحسابات الخصوصية المرصودة بها...الخ، أنظر  الامثلة التي أشرنا إليها أثناء تناولنا للمقتضيات المتعلقة بالوصاية.
[13]- أنظر قرار وزير الداخلية رقم 3610.13 بتاريخ 12 دجنبر 2013 بتحديد السلطات المؤهلة للمصادقة على صفقات الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، جريدة رسمية عدد 6214 بتاريخ 19 دجنبر 2013، ص 7762.
[14] - وإن كان بإمكانه تقديم انذارات والتي غالبا ما لا تكون لها اية فعالية بحيث يجد المعنيون بالأمر حلولا للتملص من المسؤولية وتفادي المتابعة، حيث كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014، عن توجيه المجالس الجهوية للحسابات ما مجموعه 2041 إنذارا إلى منتخبي المجالس المحلية غير المصرحين أو غير المجددين لتصاريحهم بممتلكاتهم، بالإضافة إلى 1951 موظفا تخلفوا عن عملية التصريح بممتلكاتهم.
   ونورد بعض الامثلة عن هذه الانذارات التي وجهها المجلس الاعلى للحسابات لبعض المنتخبين في الجانب المالي سنة 2014: 
- فاس: 1073 إنذارا لمسؤولين لم يقدموا تصريحاتهم منهم 615 منتخبا، و458 موظفا، ولم تتجاوز نسبة التصاريح 43 بالمائة بالنسبة للموظفين و67 بالمائة بالنسبة للمنتخبين، من بين مجموع 1071 تصريحا إجباريا بالممتلكات، 291 يخص الموظفين و780 يرجع للمنتخبين.
وجدة: 632 إنذارا للمنتخبين لم يصرحوا بممتلكاتهم أو لم يجددوا لتصاريحهم خلال سنة 2014 من بين 2.408 تصريح بالممتلكات لدى كتابة الضبط بالمجلس الجهوي للحسابات بوجدة، منها 793 تصريحا تهم المنتخبين و1.615 تصريحا تهم الموظفين (761 لموظفي الدولة والإدارات العمومية و854 لموظفي الجماعات الترابية)
الرباط: 563 إنذارا للموظفين: الذين لم يدلوا بتصاريحهم، من بين 15.807 تصريحا، منها 14.674 بالنسبة للموظفين و1.133 تصريحا بالنسبة للمنتخبين.
أكادير: 432 إنذارا للموظفين الذين تخلفوا عن التصريح بممتلكاتهم، بينما لم يوجه أي إنذار للمنتخبين رغم أن نسبة التصريح عندهم لا تتجاوز 25.58 بالمائة.
طنجة: 267 إنذارا لمنتخبين الذين لم يصرحوا بممتلكاتهم، من بين 17 ألف و282 تصريحا، 15 ألف و792 للموظفين، و1490 للمنتخبين.
-البيضاء: 256 إنذارا لمنتخبين: قدموا تصاريح غير كاملة أو غير مطابقة للنماذج المنصوص عليها في القانون، موضحا أن عدد التصاريح الإجمالية التي تسلمها المجلس الجهوي منذ دخول منظومة التصريح بالممتلكات حيز التنفيذ بلغ 16.657 تصريحا، في حين وصل عددها خلال سنة 2014، إلى 644 تصريحا.
العيون: منتخب 1 صرح بممتلكاته من بين المنتخبين في الأقاليم الجنوبية أي بنسبة 0.1 بالمائة،
مراكش: 70 تصريحا تكميليا فقط خلال سنة 2014 باستلام 768 تصريحا منها 698 تصريحا أوليا و70 تصريحا تكميليا للتفصيل أنظر الرابط التالي:    http://www.jadidpresse.com     المجالس الجهوية للحسابات   

[15] - لمزيد من التفصيل حول مراقبة تدبير الجماعات الترابية انظر برينو كارليي وكريستوف روبير دليل مراقبة تدبير الجماعات الترابية مارس 2005
اني بيرتولي " التدبير داخل الأجهزة العمومية  " دينولد طبعة ثانية، باريز 2005 ( مراجع بالفرنسية ) ذكرها بمناسبة الدورة التكوينية لموظفي وأطر الجماعات الترابية، بدون تاريخ.
[16]- لمزيد من التوضيح حول مفهوم التدبير انظر:  عبدالحق عقلة:"دراسات في علم التدبير  – الجزء الثاني – علم التدبير" مطبعة دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط – 2009.
[17] - بينما يقوم المجلس الأعلى للحسابات طبقا للمادة 76 مراقبة مرافق الدولة والمؤسسات العمومية والمقاولات ذات الإمتياز والشركات التي تملك الدولة فيها جل الأسهم أو  سلطة مرجحة في اتخاذ القرار أو أجهزة الضمان الاجتماعي التي تتولى مساعدات من إحدى الأجهزة الخاضعة لمراقبة المجلس الاعلى للحسابات أنظر للتفصيل الدورة التكوينية لفائدة المنتخبين والموظفين المكلفين بالتدبير المالي تحت عنوان "افتحاص التسيير الإداري والمالي بالجماعات الترابية" تأطير ذ حسن عامر دار المنتخب مراكش 15 فبراير 2011، وانظر كذلك المادة 214 من القانون التنظيمي رقم: 113.14 المتعلق بالجماعات، التي منحت المجالس الجهوية للحسابات مراقبة مالية الجماعات الترابية طبقا للتشريع المتعلق بالمحاكم المالية.
وأيضا: مكاوي نصير: "تدبير مالية الجماعات المحلية"، مطبعة دار أبي رقراق للطباعة والنشر - الرباط– الطبعة الأولى 2011.
[18] - سجلت المجالس الجهوية للحسابات ملاحظاتها على اختلالات متعددة في العديد من الجماعات اوردنا بعضها على سبيل المثال فقط أنظر لمزيد من الاطلاع حول انشطة المجالس الجهوية والمجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2014 الروابط الاتية :
 مع إضافة en cache  في المفتاح قصد الولوج .
 www.siyassi.com/wp-content/.../Volume-II-Livre-I_intro-CRC.pdf                       
:www.maghress.com/oujdia/2770
[19] - لمزيد من التوضيح حول هذه المخاطر التي رصدتها المجالس الجهوية للحيابات يراجع فحوى الدورة التكوينية لمنتخبي وموظفي الجماعات الترابية احتضنتها دار المنتخب مراكش 15 فبراير 2011 والتي أطرها حسن عامر.تحت عنوان افتحاص التسيير الإداري والمالي بالجماعات الترابية.

[20] - نفسه
[21] - نفسه
[22] - لمزيد من التوضيح أنظر المملكة المغربية المجلس الأعلى للحسابات التدبير المفوض للمرافق العامة المحلية خلاصة التقرير أكتوبر 2014

أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير - جامعة ابن زهر

ليست هناك تعليقات:

التعليقات تنشر بعد المراجعة و المصادقة من طرف المشرف

صور المظاهر بواسطة Storman. يتم التشغيل بواسطة Blogger.