Header Ads

قراءة ابستمولوجية لإشكالية المنهج العلمي في العلوم الإنسانية

الملخص

لقد وصلت العلوم الطبيعية إلى درجة من التقدم و النجاح الباهر بفضل اعتمادها على المنهج التجريبي،مما جعل مناهجها تقدم مثالا جديرا بالاحتذاء والتطبيق في المجال الإنساني، رغبة منها في تحقيق اكبر قدر من العلمية والدقة والموضوعية.فقد اعتبر النموذج الطبيعي (المنهج التجريبي) سلطة مرجعية للعلوم الإنسانية والاجتماعية. الا ان هذه العلوم قد استبعدت تماماً القيم الرُّوحية والدينية كما اهملت ما يقدمه الوحي الصحيح من معرفة بالديناميكيات التي تسير تلك العوامل الروحية.وهو ما أدى إلى تشويه خطير في فهم السلوك الإنساني والتنظيمات الاجتماعية.اذ انتهت النظريات الوضعية في العلوم الاجتماعية إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بالأسس المنهجية التي قامت عليها.
فالعلوم الإنسانية تتعرض اليوم لمراجعات نقدية مكثفة مطروحة كضرورة ملحة وحيوية للحفاظ على الفعالية الإجرائية لهذه العلوم. إذ أن استمراريتها مرتبطة بالتعديلات المنهجية والفكرية التي يمكن لهذه المراجعات إدخالها لتحديث هذه العلوم وتخليصها من شوائب تكاد تقضي على فعاليتها.

الكلمات المفتاحية : العلوم الطبيعية،العلوم الانسانية،المنهج العلمي،الجوانب الروحية.

the natural sciences, social sciences, the spiritual values, scientific method

المقدمة

إن التقييم العلمي و المعرفي للإنسان أتاح له فرصة السيطرة على العالم و مكنه من فهم ألغازه، فابتداء من القرن 18 عرف العالم ثورات علمية بفضل اعتماده المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية، فكانت لهذه الثورات اثر واضح في تقدم الإنسانية. و لكن فيما يخص العلوم الإنسانية فانها تتعرض اليوم لمراجعات نقدية مكثفة مطروحة كضرورة ملحة وحيوية للحفاظ على الفعالية الإجرائية لهذه العلوم. إذ أن استمراريتها مرتبطة بالتعديلات المنهجية والفكرية التي يمكن لهذه المراجعات إدخالها لتحديث هذه العلوم وتخليصها من شوائب تكاد تقضي على فعاليتها.

و لعل الإشكاليات الميتودولوجية التي تعترض العلوم الإنسانية نابعة أساسا من خصوصية الموضوع وهو الظاهرة الإنسانية و كذا من البحث عن المنهج المناسب الذي يجب اعتماده في دراسة الظاهرة الإنسانية؛

فهل بالإمكان تقديم معرفة علمية دقيقة بصدد هذا الكائن الغامض المتغير الراغب، المتخيل، المعقد،المتقلب، المتداخل الأبعاد …. و الذي يسمى الإنسان.بالاعتماد على المنهج التجريبي الوضعي ؟ و هل تصلح المناهج العلمية الوضعية للتطبيق حرفيا على الظاهرة الإنسانية أم يجب تعديلها و تكييفها مع خصوصياتها؟ أم ينبغي تغييرها بأخرى أصيلة خاصة بالإنسان؟

أولا: التأصيل التاريخي لاشكالية المنهج العلمي في العلوم الانسانية

تعتبر إشكالية المنهج العلمي في العلوم الإنسانية من بين أهم الاشكاليات الابستيمولوجية المعاصرة التي لها تاريخ طويل في الفكر الأوروبي – مقارنة بالفكر العربي- حيث عاش المجتمع هذه الإشكالية منذ العصور المظلمة (عصر محاربة الكنيسة للعلم) إلى أن تمكن العلم بمناهجه وتجاربه من ان يثبت جدارته ويتغلب على الأفكار اللاهوتية والميتافيزيقية التي جعلت أوروبا تعيش زمناً طويلا من الجهل والظلام .
فقد استطاع الإنسان التفكير بطريقة علمية مكنته من أن يصنع ويخترع في ميادين مختلفة و ذلك بالاعتماد على مناهج تساعده في ذلك،اذ يعتقد الكثير من العلماء ان المنهج العلمي هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة. من شانه ان يعصم الباحث – قدر الامكان – من الوقوع في الخطأ. فهو الطريقة الأقصر والأسلم للوصول إلى الهدف المنشود (1).

الا أن العلم في الواقع ليس إلا نشاطا إنسانيا يتأثر في بناء مناهجه وتوجيه بحوثه بما تتأثر به النشاطات الانسانية الأخرى،فالعلم يتأثر بالديناميكيات التي يدور في نطاقها عمل الباحثين و العلماء.

وقد أسهم “جيروم رافيتز “Jerome Ravetz (1929-) في مقاله الهام عن “تاريخ العلم” في تبديد وهم الصدق المطلق للعلم والمنهج العلمي، حين بيـن أن فكرة “العلم” بالصورة التي وصلتنا اليوم ليست إلا واحدة فقط من بين عدد من التصورات الممكنة للعلم ، وأن هذه الصورة المحددة التي نمارسها اليوم لم تكن إلا نتاجا لأوضاع تاريخية بعينها تتصل بالظروف التي أحاطت في أوروبا بنشأة وتطور العلم في العصر الحديث وخصوصا ذلك الصراع المرير الذي احتدم بين الكنيسة ورجال العلم الأوروبي الوليد ، وأننا ينبغي أن ننظر إلى العلم في صورته المعروفة لنا اليوم على أنه أحد مراحل عملية مستمرة من التطور.(2)

لا أحد يشك في أن العلوم الإنسانية في الغرب المعاصر تعاني مشاكل حادة، سواء على مستوى المنهج أو فيما يتعلق بالبناء النظري. ويرى الكثير من العلماء أن هذه المشاكل المنهجية والنظرية مرتبطة بطبيعة موضوع العلوم الإنسانية من جهة، وبالمؤثرات الفلسفية والإيديولوجية التي رافقت تلك العلوم في تطورها ومسيرتها التاريخية. ثم إن هذه الفلسفات والإيديولوجيات التي صبغت العلوم الإنسانية بصبغتها، تمثل النتاج الفكري والفلسفي الذي تمخض عن قرون من الصراع بين الفكر اللاهوتي الكنسي والفكر المتحرر.

ولما دخل القرن الثامن عشر الميلادي، كانت الثقافة الأوربية قد قطعت أعظم الأشواط في التحرر من هيمنة الفكر اللاهوتي الكنسي. ورفع فلاسفة التنوير شعار العقل، وآمنوا بقدرته على فهم الطبيعة ومحاولة إدراك أسرارها باستخدام النظر والمشاهدة وإجراء التجارب بدلا من الاقتصار على القياس الاستنباطي، فأخضعوا المعارف والعلوم للدراسة العقلية المتسلحة بالنقد والتحليل.

كما تميز هذا القرن بثورة علمية كبرى في مختلف ميادين العلم على أيدي ليوناردو دافنشى وكوبرنيكوس وجاليليو وكبلر، وتميز ايضا بثورة موازية في مناهج البحث العلمي والفلسفي على أيدي فرانسيس بيكون (1561-1626) Francis Bacon وقد نتج من عصارة جهود هؤلاء العلماء التوصل إلى نظرة جديدة واقعية للعالم الذي نعيش فيه.نظرة تبنت مصدرا آخر للمعرفة يعتمد على الخبرة الانسانية و الملاحظة و الوقائع التجريبية ، و في هذا يقول ألبرت ليفي أن “عصر النهضة قد أعلن التمرد على حكم الدين، ومن هنا كانت الثورة ضد الكنيسة وضد السلطة وضد الفكر المدرسي المسيحي، و ضد أرسطو”. (3)

يتضح لنا مما سبق ان السمة المميزة في تاريخ الفكر الغربي القديم هي وجود صراع بين العلم والدين وقد انتهى هذا الصراع بإقصاء الدين والتفكير الديني عن مجالات الحياة وحصره داخل جدران المعابد وطرده من مجال النظر العقلي .

ومع نهاية القرن 18، بزغت العلمانية كمذهب قوي في وجه الكنيسة الكاثوليكية المدعمة بالانتقادات الفلسفية والعلمية. كما توج هذا الوضع بأكبر ثورة اجتماعية وثقافية في تاريخ الغرب؛ وهي الثورة الفرنسية،التي شكلت أعظم سند لقيام المنهج الوضعي، وذلك على يد أوجست كونت (1798-1857) Auguste Comte، في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي.اذ كان يتخذ من قانون الجاذبية الذي قال به نيوتن، نموذجا لما يجب أن يكون عليه التفكير الوضعي.(4)

فهذه الفلسفة كانت تعتقد اعتقادا جازما بأن العقل والعلم هما اللذان ينبغي أن يقودا البشرية نحو الحضارة والتقدم والرقي. وبالتالي فينبغي أن يحلا محل اللاهوت المسيحي التقليدي الذي أدى الى التواكل، وتأخر المجتمع على كافة الأصعدة والمستويات. وهكذا قامت الفلسفة الوضعية في وجه كل تفكير يخرج عن دائرة الحس، سواء كان تفكيرا دينيا،او فلسفيا او عقليا. فهي لا ترى المنطق السليم سوى في المعرفة الواقعية المنتزعة من الحس .

وفي الواقع إن اوجست كونت نقل المنهجية التجريبية من ساحة العلوم الفيزيائية لكي يطبقها على المجتمع نفسه ومختلف الظواهر الإنسانية. اذ يقول مارسيل موس (1872-1950) Marcel Mauss: ” السوسيولوجيا هي كلمة وضعها أوجست كونت ليشير بها إلى العلم الذي يعنى بدراسة المجتمعات…وكل ما تصادر عليه السوسيولوجيا هو ببساطة، اعتبار أن ما يسمى بالوقائع الاجتماعية هي وقائع موجودة في الطبيعة.أي إنها خاضعة لمبدأ النظام والحتمية الكونيين، وأنها، بالتالي، وقائع تنطوي على معقولية.(5)”

وهنا تكمن إحدى الميزات الأساسية للفلسفة الوضعية. فهي فلسفة علمية دقيقة لا تؤمن إلا بالحسابات والمعادلات الرياضية والقوانين الفيزيائية. إنها فلسفة مهووسة باكتشاف القوانين، سواء أكانت القوانين التي تتحكم بالظواهر الطبيعية والفيزيائية، أو القوانين التي تتحكم بتصرفات البشر وعقليتهم.. وكان اوجست كونت يعتقد أن البشرية كلها سائرة لا محالة باتجاه المرحلة الوضعية أو العلمية المحضة. ولكنها لن تتوصل إليها في نفس اللحظة. فالمجتمعات الأوروبية أو الغربية سوف تسبق غيرها إلى ذلك.

يقول أوجست كونت: “إننا ما دمنا نفكر بمنطق وضعي في مادة علم الفلك أو الفيزياء، لم يعد بإمكاننا أن نفكر بطريقة مغايرة في مادة السياسة أو الدين. فالمنهج الوضعي الذي نجح في العلوم الطبيعية غير العضوية، يجب أن يمتد إلى كل أبعاد التفكير. (6)

فالوضعية تقوم على تأكيدها وحدة المنهج في التفكير بغض النظر عن الموضوع المدروس،و هي تريد بذلك سد الطريق أمام ذلك الانفصام الذي كان يعاني منه جيل ما قبل الوضعية حينما كان يستخدم المنهج الوضعي في معالجة العلوم الطبيعية و المنهج اللاهوتي في العلوم الإنسانية، وفي هذا يقول سان سيمون (1760-1825) Saint-Simon: “إن القدرة العلمية الوضعية هي نفس ما يجب أن يحل محل السلطة الروحية، ففي العصر الذي كانت فيه كل معارفنا الشخصية حدسية وميتفايزيقية بصفة أساسية كان من الطبيعي أن تكون إدارة المجتمع فيما يخص شؤونه الروحية في يد السلطة اللاهوتية، مادام اللاهوتيون آنذاك هم الميتافيزيقيين الموسوعيين الوحيدين. وبالمقابل عندما تصبح كل أجزاء معارفنا قائمة على أساس الملاحظة، فإن إدارة الشؤون الروحية يجب أن تستند إلى القدرة العلمية باعتبارها طبعا متفوقة على اللاهوتية والميتافيزيقية.”(7) فقد خضع مفكرو هذا العصر وفلاسفته لسيطرة نموذج فيزياء نيوتن القائم على التجربة، وتم تعميم أسس المنهج الوضعي ليشمل العلوم الإنسانية.(8)

وعليه فالدافع إلى تمثل العلوم الطبيعية هو تحقيق درجة كافية من العلمية و الابتعاد عن الأحكام القيمية التي تخضع لها،فالحقيقة العلمية ثابتة في ذاتها لا تؤثر فيها الأحكام القيمية بالاستحسان أو الاستهجان.والهدف من هذه النزعة التجريبية هو إقصاء التجريد و التأملات فالمنهج التجريبي يستعيض عن الخيال بالملاحظة والتسجيل الدقيق للوقائع. اذ يرى كونت انه لدينا الآن فيزياء سماوية، وفيزياء أرضية ميكانيكية أو كيماوية، وفيزياء نباتية، وفيزياء حيوانية، ومازلنا في حاجة إلى نوع آخر وأخير من الفيزياء وهو الفيزياء الاجتماعية، ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر الاجتماعية موضوعا للدراسة باعتبار هذه الظواهر من روح الظواهر العلمية والطبيعية والكيميائية والفسيولوجية نفسها من حيث كونها موضوعا للقوانين الثابتة (9).

و لكن يجب عدم إغفال أن الوضعية لا تلجأ للتجربة لأنها أداة معرفية صالحة و لكنها تفعل ذلك لسد الطريق أمام التفكير الديني ، تلك هي حقيقة التجربة في النزعة الوضعية فهي ليست أداة معرفية بقدر ما هي أداة ايدولوجية. فالوضعية من حيث موقفها الأيديولوجي الأساسي إنما هي علمانية قاصرة على هذه الحياة الدنيا، ومعادية للدين وللبحث فيما وراء الوجود، و أهم شروطها إنما هو الالتزام الصارم بشهادة الملاحظة والخبرة الإنسانية ” (10)

و بظهور المدرسة الوضعية العلمية على يد أوجست كونت الذي نادى بوحدانية المنهج ظهرت أول شرارة للحرب بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وبين المناهج الوضعية التجريبية والمناهج الكيفية .

وقبل ذلك كانت الإشكالية المنهجية – عند المفكرين السابقين – حيث كان ديكارت يرى أن أسسالمنهج تكون عقلية، وعلى النقيض منه يرى بيكون أن أسس المنهج يجب أن تكون تجريبية، وبعد ما طرح كونت إشكالية المناهج في العلوم الإنسانية أصبح لدينا فريقان من العلماء والمفكرين فريق يرى أن العلوم الإنسانية يمكن دراستها بالمناهج التي تدرس بها العلوم الطبيعية أي وحدة المنهج بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن العلوم الطبيعية قد وصلت إلى درجة من التقدم، مما يجعل مناهجها تقدم مثالا جديرا بالاحتذاء والتطبيق في المجال الإنساني. فالإنسان، في رأيهم، ليس إلا جزءا من العالم الطبيعي… و لا حرج لمادة العلاقات الإنسانية، إذا أريد لها أن تكون علما، من السير في نفس الطريق المنطقي الذي تسير فيه بقية العلوم الطبيعية.(11)

وفريق على النقيض من ذلك يرى أن المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية غير صالحة لكي تستخدم مع الظواهر الإنسانية وذلك نظراً لاختلاف الظواهر الطبيعية عن الإنسانية ،فالعلوم الطبيعية تدرس العالم الخارجي والعلوم الإنسانية تدرس العالم الداخلي و بينما تتعامل العلوم الطبيعية مع علاقات ثابتة وموضوعات مادية قابلة للقياس وتخضع للتجارب، فإن العلوم الإنسانية تفقد التجارب والقياس وتتعامل مع موضوعات معنوية غير ثابتة.ومن الخطأ إذن،تطبيق المناهج التي ثبت نجاحها في العلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية، لأن هذا سوف يؤدي إلى خلط كبير، بل هو السبب في تخلف العلوم الإنسانية. فالوحدة المنهجية في رأيهم مرفوضة لأنها تقوم على افتراض غير مؤكد، فحواه أن الطرق المستخدمة من قبل العلماء الطبيعيين هي وحدها المتصفة بالعلمية .(12)

وهكذا إذا كانت القوانين الفيزيائية والبيولوجية والجيولوجية صالحة في كل زمان ومكان لكون العالم الطبيعي يحكمه نسق من الاطرادات الثابتة، فإن القوانين الإنسانية لا تخضع للنسق نفسه، لأنها تختلف باختلاف الزمان والمكان.

إن البحث العلمي إنما هو مجرد نشاط إنساني متأثر في نشأته وتطوره وفي صورته الحالية، بالظروف التاريخية والاختيارات الثقافية والقيمية الخاصة بالمجتمعات الغربية…وأنه بهذا يحتمل ظهور توجهات أخرى منبثقة من نظرات أخرى للكون والحياة… نظرات قد تتطلب إدخال تعديلات جوهرية على تلك النظرة التقليدية خصوصا عند التعرض بالدراسة للظواهر الإنسانية. (13)

كما ظهر العديد من الاتجاهات التي نادت برفض الوضعية وتبني الاتجاهات العقلية في دراسة الظواهر الإنسانية وظهرت في كتابات العلماء (دلتاي –هوسرل –فندلباند –وريكرت) وظهرت العديد من المناهج في هذا المجال مثل المنهج الظاهراتي والهرمنوطيقي والمنهج الابستمولوجي منهج علم اجتماع المعرفة والمنهج النقدي الذي ظهر على يد علماء مدرسة فرنكفورت .

و ظهر ايضا العديد من الانتقادات الموجهة للمدرسة الوضعية باعتبارها اختزلت العلم إلي مجرد علم للوقائع وانها نفت الأسئلة المتعلقة بالإنسان من قاموسها فهي تشيء الإنسان وتموضعه وتجرده من إنسانيته. ومن ناحية أخرى، فإن المناهج والدراسات الاجتماعية والتنظيمية لا يمكن فصلها عن الاتجاهات الفلسفية والإيديولوجية التي تسيطر عليها، بل وتؤثر في عملية التنظير العلمي والمنهجي.

فإذا كانت “فلسفة العلم” هي القاعدة التي تقوم عليها العلوم الطبيعية، فان “فلسفة العلوم الإنسانية” هي القاعدة التي تقوم عليها العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية.” (14)

نستنتج مما سبق ان الأثر الدائم الذي تركه كونت يتمثل في أنه قد انشأ توجها مضادا للدين ولما وراء الوجود في فلسفة العلوم استمر معنا حتى الوقت الحاضر.(15)

و لقد ظهرت في القرن العشرين فلسفة هي امتداد للفلسفة الوضعية التي أسسها كونت وهي الفلسفة الوضعية المنطقية أسسها موريس شليك (1882ـ1936)Moritz Schlick عام 1929،وتبناها عدد من المفكرين والفلاسفة من أبرزهم رودولف كارناب, وبرتراند راسل.حملت هذه الفلسفة أسماء عدة منها: التجريبية العلمية،التجريبية المنطقية،حركة وحدة العلم والتجريبية الحديثة،الفلسفة التحليلية.

إن أبرز ما يطرحه دعاة هذا التيار الوضعي الحديث أو المنطقي هو التأكيد أن معرفتنا عن العالم تأتي عن طريق التجربة وحدها، وأن الفلسفة تقوم بالتحليل المنطقي، شأنها شأن بقية العلوم، معتمدين في ذلك على المنطق الرياضي المعاصر آنذاك (نهاية القرن 19 وبداية القرن 20) فقد ظهر في تلك الفترة ما سمي بالمنطق الرياضي أو الرمزي.اذ يرى برتراند رسل انه بإلامكان إرجاع جميع المفاهيم الرياضية إلى علاقات تقوم بين الأعداد الطبيعية وأن هذه العلاقات ذات طبيعة منطقية بحتة. ونتيجة لذلك افترض راسل أنه يمكن استنباط الرياضيات كلها من المنطق.

و لكن على الرغم من تبني هذه الفلسفة للعلم واعتباره المنطلق الأساس وربما الوحيد عند بعض مفكري هذا التيار في تفسير حركة الواقع بشقيه الطبيعي والاجتماعي ،و في إعادة بناء المجتمع من جديد بصورة تخدم تطور الإنسان وتحقيق سعادته،غير أنها ظلت تدور في نطاق الفلسفات التجريبية المثالية لعلم الاجتماع البرجوازي، إذ ان دراسة الكثير من الوقائع المحدودة الزمان والمكان، لم تضع في حسبانها استنتاجات تتعلق بالنواحي الرئيسية لقوانين حياة المجتمع، ويأتي على رأسها قوانين الصراع الطبقي، والتناقضات الاجتماعية الرئيسة. بل ظلت تدور في نطاق إجراءات خاصة وتكنيك البحث التجريبي الذي يشمل الملاحظة،المعالجة الإحصائية للمواد المجمعة،ووضع المدارج والخطوط البيانية.. إلخ.

الا أن الثلث الثاني من القرن العشرين قد شهد تحولا نحو استبعاد اصطلاح “الوضعية” واستخدام اصطلاح “الإمبيريقية المنطقية” Logical Empiricism بدلا منه بسبب الارتباط الشديد للوضعية بفكر كونت من جهة وبموقف ارنست ماخ المتطرف من جهة أخرى عندما بالغ في التأكيد على الحقائق الإيجابية الحسية للملاحظة.(16) ويمكن القول ان الإمبيريقية المنطقية تمثل اليوم النموذج السائد في فلسفة العلوم الانسانية.(17)

نستنتج مما سبق ان الصراع ضد الكنيسة و الفكر الديني ادى الى نشاة أزمة معرفية ظهرت واضحة للعيان في مناهج العلوم وأثّرت بدورها على مجمل أوجه ومجالات الحياة، ذلك أن إقصاء الوحي من توجيه المعرفة أدى لانحصار المعرفة في مجال العالم المشاهد، وطبع المعرفة بطابع الظنية والنسبية وما ذلك إلا لأن المعرفة كانت معرفة بشرية قاصرة عن إدراك ما وراء الحواس.

و تحولت المعرفة إلى معرفة بشرية محصورة في الواقع المشاهد، فالمحسوس والمشاهد الذي يخضع للاستقراء والتجربة والقياس الكمي وحده هو العلم وما عداه يعتبر لا علم وتعتبر قضاياه بلا معنى. كما ان الطبيعة هي مملكة المعرفة ويجب الحيلولة دون أن يتجاوزها العقل ، وعلى مدار العصر الحديث تبارى الفلاسفة الإنجليز في تأكيد التجريبية والنظرية الحسية في المعرفة والعزوف عن الغيبيات “الميتافيزيقيا”.

إن مفهوم العلم كما بلورته الفلسفة الغربية صار ينظر إليه من زاوية أكثر محدودية حيث صار مفهوم العلم هو المعرفة المصنفة التي تم التوصل إليها باتباع قواعد المنهج العلمي مصاغة في قوانين عامة للظواهر الفردية المتفرقة وهذا العلم يقوم على الاستقراء الذي يعتمد على الملاحظة ووضع الفروض وإجراء التجارب للتحقق من صحة الفروض ، وعلى هذا فقد أصبح العلم يقتصر على دراسة ما يعرف بالواقع المحسوس أو الواقع الامبيريقي، أي الظواهر التي يمكن إدراكها بالحواس.

أما عن المنهج فإنه يركز بصفة أساسية على الاستقراء، ومعنى هذا أن موضوعات الدراسة التي تتصل بقطاعات أخرى من الظواهر تخرج عن نطاق المشاهدة الحسية مهما كانت أهميتها لسعادة الإنسان فإنها مستبعدة تماما عند علماء العصر الحديث من نطاق الدراسة العلمية وكأن عالم المحسوسات هو وحده الذي له وجود حقيقي.

ثانيا: فشل المنهج التجريبي في فهم و تفسير الظواهر الانسانية

بالرغم من ان الاعتماد على النموذج التطبيقي – القائم على منهج الاستقراء الذي يرتكز على تقنيات منهجية كالملاحظة والقياس والتجريب، و يسمح بتكميم النتائج وتعميمها – في مناهج البحث قد حقق نجاحاً باهراً في العلوم الطبيعية و دفع بالنزعة الوضعية في مجال العلوم الإنسانية الى استلهام هذا المنهج من العلوم التجريبية واعتماده كنموذج للتطبيق في مجال الظواهر الإنسانية، رغبة منها في تحقيق اكبر قدر من العلمية و الدقة والموضوعية .

الا ان التطورات الكبرى في الفيزياء الحديثة – خلال النصف الاول من القرن العشرين على ايدي كل من اينشتين، هيزنبرغ، بوهر،…و غيرهم – أدت الى انهيار النظرة “المادية” الميكانيكية التي كانت تعتقد ان الكون نسق ميكانيكي مكون من “ذرات مادية صلبة”،و أن الذرة تتكون من جسيمات متناهية في الصغر (الإلكترونات) تدور حول النواة التي تتكون بدورها من بروتونات ونيوترونات.

و لقد استنتجت ميكانيكا الكم أن هذه الجسيمات التي تنقل الضوء quanta of light لها طبيعتان في نفس الوقت طبيعة جسيمية وطبيعة موجية، فالإلكترون يتصرف كجسيم بما للجسيم من خصائص مثل الاصطدام والثقل ويتصرف كموجة بما للموجة من خصائص مثل الحيود والانعطاف. ان كلا النظامين متساويان فيزيائيا ورياضيا ويجب ان نستوعبهما معا في نفس الوقت.(18 ) فهذه الجسيمات ليست أجساما صلبة كما وصفتها الفيزياء الكلاسيكية، وإنما هي كيانات مجردة “ذات طبيعة مزدوجة” تظهر احيانا على شكل جسيمات Particles وأحيانا اخرى كموجات Waves من الطاقة،

كما أن الأجسام المادية الصلبة التي كانت تحدثنا عنها الفيزياء الكلاسيكية اتخذت شكل أنماط احتمالية شبيهة بالموجات ،و هذه الأنماط لا تمثل احتمالات لأشياء ،وإنما هي أقرب لأن تكون احتمالات لأنواع من الارتباطات المتبادلة.

وقد أدت هذه الاكتشافات المدهشة في الفيزياء الحديثة إلى إدراك العلماء “لوحدة الكون” ، كما فتحت الباب على مصراعيه أمام “التوافق التام مع الأهداف الروحية والمعتقدات الدينية”(19) ومن جهة اخرى فإن فشل التفسير الميكانيكي للعالم أدى إلى انهيار كل معرفة تزعم أن معرفتنا بالعالم الخارجي هي معرفة صادقة صدقا مطلقا، ويمكن أن نعبّر عن ذلك بكلمات أخرى ، فنقول أن تطور العلوم الفيزيائية أدى إلى انهيار الأساس العلمي لكل معرفة تركيبية قبلية، وأوضح أن القوانين العلمية هي قوانين تجريبية احتمالية و عشوائية ،و ليست قوانين ضرورية يفرضها علينا العقل ذاته ” (20).

كما لاحظ البشر طوال آلاف السنين أن أسبابا صغيرة يمكنها أن تحدث نتائج كبيرة غير متوقعة،وما أثار العلماء أنه في بعض المنظومات يمكن أن تقود تغيرات طفيفة في الشروط الابتدائية إلى توقعات متباينة جدًّا، بحيث ان التوقُّع (التنبؤ) بحد ذاته يصبح بلا فائدة.

و لهذه الأنواع من الأنظمة بيّن هنري بوانكاريه (1854-1912) Henri Poincaré أن المصادفة والحتمية أصبحتا متوافقتين بخاصية اللاتنبؤية على المدى الطويل، ويشرح الموضوع بأسلوبه الواضح و الموجز ” يحدد سبب صغير يتجاوزنا نتيجة كبيرة لا يمكن أن لا نراها، وحينذاك نقول أن هذه النتيجة أتت مصادفة “(21)

فقد أدى التقدم الكبير الذي حدث في فهم هذه الظواهر التي يطلق عليها “الشُّواش Chaos” في إطار علم الفيزياء وعلوم الحياة والأرصاد الجوية والرياضيات إلى أن “العلماء قد اصبحوا يتكلمون بلغة تذكرنا بلغة الدين أو الفلسفة” كما يقول سابنجتون .(22)

فنظرية الفوضى توضح علاقة توافقية في اتجاه واحد، وتؤكد تسلسلات لأحداث معينة و تتاليها لتنتج أثرا مختلفا في الزمان و المكان، و الصفة النوعية و الكمية، و الأبعاد عن الحدث الأول، فالأحداث الصغيرة من شأنها أن تنتج كوارث كبيرة غير متوقعة.(23)

و عليه يمكننا القول باختصار أن الأحداث العشوائية غير المنتظمة هي في ذاتها أجزاء ضئيلة من منظومة بالغة التأثير، لها قوانينها الخاصة، وهذا ما دفع البعض إلى محاولة استخدام هذه النظرية في تغيرات أسواق المال، وفي الشركات الكبرى، والسياسة الخارجية، بل في حياتنا اليومية والعادية.(24)

ولا يمكن فهم تلك الأنساق إلا على أساس مبادئ تعمل على مستوى النسق ذاته لا وفقا للمبادئ التي تعمل على مستوى أدنى من ذلك، مما يعطى شعورا بأن تلك الأنساق “تكتسب حياة خاصة بها”، ويرى سابنجتون أن من المحتمل أن نرى قريبا علماء النفس أيضا يطبقون تحليل الظواهر – الشبيهة – بالشواش في دراستهم للأفراد والجماعات البشرية.

نستنتج مما سبق انه بينما كانت العلوم الإنسانية تواجه عوائق عديدة في محاولة إحراز المزيد من الموضوعية والدقة التجريبية حتى تكون في نفس المستوى من العلوم الدقيقة الأخرى ، هاهي هذه العلوم نفسها من خلال روادها تتوصل إلى نتائج مذهلة و محيرة للغاية، أدخلت الفكر العلمي كله في دوامة من الشك و إعادة النظر في قواعده وقوانينه الثابتة، فلقد تبين أن الظاهرة الفيزيائية أو الظاهرة الطبيعية ظاهرة غير ثابتة، فهي متغيرة ومتقلبة ولا يمكن التنبؤ بها كما ألفها التصور سابقا .

و عليه فقد بات تشبث العلوم الانسانية بنموذج المنهج التقليدي للعلوم الطبيعية أشبه بموقف هزلي عبثي… موقف من يتشبث بنموذج لم يصنعه بعد أن تخلى عنه صانعه أو صاحبه الأصلي باعتباره غير ملائم أو ينطوي على عيوب فنية تجعله غير صالح للاستخدام في مجال العلوم الإنسانية.

فقد اعتبر النموذج الطبيعي سلطة مرجعية للعلوم الإنسانية والاجتماعية .الا ان هذه العلوم قد استبعدت تماماً القيم الرُّوحية والدينية أي عدم وجود السياج الأخلاقي. وهو ما أدى إلى حدوث آثار هدّامة. فالظواهر الإنسانية والاجتماعية ليست في واقعها وحقيقتها مظاهر حسية، فهناك جوانب غير مادية في الإنسان بما في ذلك تفكيره وسلوكه وغاياته التي لا يمكن التعرُّف عليها الا عن طريق الملاحظة الداخلية، أي بفهم المعاني التي تعبِّر عنها هذه التصرفات وهي معانٍ نابعة من شعور الإنسان وإحساسه الداخلي .

لقد استبعدت العوامل الروحية والقيم من نطاق الدراسة ؛ وهي قضايا تشكل جزء مهما من نشاط الإنسان في تفكيره وثقافته وعاداته وتؤثِّر في توجيه سلوكه وتصرفاته . وبالتالي تم استبعاد ما يتولد عن هذا النشاط الإنساني من علوم مرتبطة بقيم الإنسان.كما انتهت المنهجية الوضعية إلى إنكار وجود إله خارج الشعور الجماعي لأفراد المجتمع أو خارج شعور أفراد الإنسانية جمعاء فضلا عن الاعتراف بوجود موجودات عالم الغيب بما في ذلك اليوم الآخر .

و الأهم من ذلك كله هو عدم الاعتراف بالوحي مصدراً للمعرفة، وهو العامل الأهم في فساد الفلسفة الوضعية، لأنها بإبعادها الوحي حصرت نفسها في الوجود المادي ولم تر وجودا وراء هذا الكون المحسوس ، وكان من جراء ذلك انتفاء الإحساس بوجود سلطة عليا يكون الإنسان مسؤولا لديها عن تصرفه. ولما كانت شهوات الإنسان وأمانيه لا حدود لها ، وما تحويه البيئة في أي وقت من الأوقات ومكان من الأمكنة محدودا بالنسبة إلى ما يتطلبه إشباع تلك الشهوات – فقد صار العلم هو السلاح الذي انتهكت به حرمة البيئة، وكانت التقنية هي سبيل هذا الإنسان الدنيوي لإحداث هذا الانتهاك حتى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.. لقد كان سوء استغلال العلوم الحديثة والتقنية التي أنجبتها وإفساد الأرض هو ثمرة طبيعية للفلسفة الوضعية التي لم تر للكون ولا للبيئة حرمة.

ان إقصاء الوحي من توجيه المعرفة أدى لانحصار المعرفة في مجال العالم المشاهد، وطبع المعرفة بطابع الظنية والنسبية و ذلك لأن المعرفة كانت بشرية قاصرة عن إدراك ما وراء الحواس.اذ يرى البعض أن تشييد الدراسات الإنسانية على غرار العلوم الطبيعية بحيث تكون نموذجا مشابها لها تماما،هو ضلال عقلي،وعقم علمي،وخطر أخلاقي:هو ضلال عقلي لأنه يتجاهل العمليات المعرفية المألوفة، وعقم علمي لأنه لا ينتج المعرفة التي نحتاجها، وخطر أخلاقي لأنه يقبل تصور الإنسان على أنه شيء آخر في عالم مادي طبيعي.(25)

ويؤكد عدد من الباحثين(26) أن أزمة العلوم الإنسانية مردها إلى «واحدية العلوم»(27) التي سعى دعاتها إلى فصل النشاطات الإنسانية عن كل المعايير الأخلاقية المتجاوزة، وإلحاق الإنسان بالظواهر الطبيعية المادية حتى لا يصبح هناك فارق بين الإنسان والطبيعة، بل يصبح جزءا منها، يخضع لقوانينها وحتمياتها، ويذعن لسماتها المتمثلة في القياس الكمي الدقيق، والقابلية للتقنين، فتغدو معرفتنا بالإنسان أشبه بمعرفتنا بالظواهر الطبيعية في الدقة والصرامة والموضوعية، وذلك عن طريق استخدام مناهج العلوم الطبيعية في دراسة الظواهر الإنسانية.و اذا لم تطابق الظواهر الإنسانية قوانين هذه المناهج، فإنه قد يلجأ إلى تطويع هذه الظواهر لتطابق القوانين المسبقة، وهذا ما يفعله بعض المتفلسفة، فقد أصبح العلم الإنساني عندهم، أكثر علمية من العلم الطبيعي، إذ يعسر أن تجد عالما واحدا من علماء الطبيعة وصل به الجهل إلى حد محاولة إصلاح الطبيعة لكي تطابق قوانينه بدلا من إصلاح نظرياته لتكون قوانينها تطابق التجربة.(28)

وإذا كان ما حدث في الغرب من انزواء لعلوم الدين في أركان الكنيسة يتعلق بالصراع بين الكنيسة والعلماء، فإنه من الخطأ أن يسود الاعتقاد بأن الانفصال بين العلم والدين شرط من شروط قيام الحضارة، أو أن العلم بفروعه المختلفة لا يمكن الا أن يكون ( علمانياً ). لقد أدى هذا الاعتقاد الخاطئ في بلاد المسلمين إلى حالة من الركود العلمي شلّت في ظلها كل مقومات الإبداع والابتكار في مختلف مجالات النشاط الإنساني.(29)

لقد قدر للعلم أن يسير في هذا الطريق المنحرف من منطلق ردود فعل العلماء و ردا على تعسف رجال الدين في الغرب، غير أن هذه الفجوة بين العلم والدين أخذت تضيق، ولم يكن أمام العلماء بد من الاعتراف بأن العلم لا يملك إلا أن يسير في طريق الإيمان. (30)

و لقد أكد ألكسيس كاريل على ضرورة الاهتمام بعِلم الإنسان، والعمل على بناء كل العلوم والمناهج والنظريات على طبيعته، وذكر أنَ ضرورة ذلك تأتي من أن علوم الجماد فشلت في تحقيق السعادة والأمن للإنسان.

فالتقدم العلمي المذهل لم يعط الإنسانَ العصري الأمن والراحة، والسبب كما حدده كاريل أنَ العلم الحديث لم يخاطب أهواءنا، ولم يتوافَق مع ذواتنا، وأضيف على ذلك أننا خالفنا منهج الحق عزَّ وجلَّ، فالله وضع منهجا ربانيا واضحا، على علم كامل بأحوالنا وقدراتنا ومواهبنا، فإذا ابتغينا التقدم والنهضة في غيره، انتكسنا إلى التعاسة والشقاوة، وهذا لا يدعو إلى نبذ المنهج العلمي، بل يدعو إلى وضع الدين وتعاليمه الصحيحة كقائد يسوقنا إلى الحقيقة، وبوصلة تدلنا عليها. يقول الكسيس كاريل: “إن صحة العقل والحاسة الفعالة والنظام الأدبي والتطور الروحي تتساوى في أهميتها مع صحة الأبدان ومنع الأمراض المعدية”.(30)

ثالثا: علاقة الوحي بالعلوم الانسانية

إن الإنسان لا يتأتى له أن يحيا حياة مستقيمة بمعزل عن توجيه الوحي. وقد كان للإعراض عن هذا الطريق انعكاساته السلبية على المجتمع الإنساني. وهي نتيجة طبيعية لتحكيم الإنسان عقله في مجالات لا يملك أن يفصل فيها كإنسان. وهذا يكفي للدلالة على مصداقية الوحي موجها ومقوما لحركة الإنسان على الأرض، يحدد له سلوكه وأخلاقه، ويضبط فكره وتصوره، ويجيب على كثير من تساؤلاته الفطرية المشروعة حول الأبعاد الغيبية التي لا يملك الإجابة عنها، ويحدد له مكانته في هذا الوجود والغاية منها، ويعرفه بخالقه وما يلزمه في مقام العبودية، كما يعرفه بحقوقه تجاه نفسه وغيره. وهي مجموع القضايا التي تشكل الحقل المعرفي لنشاط الإنسان في سعيه الدءوب نحو إعطاء إجابات مقنعة وصحيحة قد يقترب فيها من الحقيقة بدرجات متفاوتة، ولكنه قد يتنكب الطريق بمعزل عن الوحي وهو الأغلب الأعم.

ان علاقة الوحي بالعلوم الإنسانية علاقة متعددة الجوانب،وأهميتها تكمن في أن كليهما يعالج موضوعا مشتركا هو عالم الإنسان بكل أبعاده المادية والنفسية والتنظيمية والأخلاقية. وهي موضوعات لا بد أن يقول فيها الوحي كلمته الفاصلة ولا يتصور أن يستقل بدراستها الإنسان بمعزل عن رقابة الوحي وتوجيهه.(31)

و يمكن أن نستفيد من الوحي في عدة ضوابط منهجية تمكن هذه العلوم من تحقيق موضوعيتها. اذ ان شمولية الوحي واستيعابه لمختلف النشاطات الإنسانية المادية منها والروحية من شأنه أن يفتح آفاقًا واسعة أمام العلوم الإنسانية؛ لتخرجها من إطارها المادي الضيق الذي وجدت فيه والذي انتهت معه إلى اختزال الإنسان في جوانبه المادية مع إغفال جوانبه الروحية والنفسية والعناصر الجمالية فيه.

كما ان هذه الشمولية يمكن أن تفتح آفاقا جديدة بإمكانها أن تغير الصورة التقليدية لمفهوم العلمية من سلطة النزعة التجريبية كما تمارس في العلوم الطبيعية، وتعيد الاعتبار للأنساق المعرفية التي تعيد الاعتبار للقيم وتعتمد الدين مصدرا معرفيا.(32) وهنا فقط تتحرر العلمية من رواسب التاريخ الثقافي الغربي وتضع حدا لكونيته المزعومة.

ان العلوم الإنسانية في عمومها تفصل بين أحكام الواقع وأحكام القيمة، أي بين مجال البحث العلمي ومجال القيم وذلك لأسباب منهجية باعتبار أن القيم التي يدين بها الباحث تقف حائلًا دون تحقيق الموضوعية العلمية المرجوة، ومع أن هذا الإجراء المنهجي له قيمته العلمية في تحرير الباحث من ثقل العادات والتقاليد والموروث البيئي، فإن الثابت هو استحالة الفصل بين الباحث وبين مجموع القيم التي اكتسبها من وسطه؛ ولذلك لم يتم احترام هذه القاعدة النظرية على المستوى العملي، وظلت البحوث الإنسانية مثقلة بالتعصب والانحياز. وحل القضية في منظور الوحي ليس في تجريد الباحث من قيمه ـ فهي عملية مستحيلة ما دمنا لا نستطيع أن نجرد الإنسان من نوازعه الإنسانية ـ ولكن في ربط الباحث بقيم الحق والعدل، وتحريره من ثقل العادات والتقاليد التي يمليها الوسط الاجتماعي الضيق، والاحتكام إلى القيم العادلة التي تأخذ شرعيتها من الوحي باعتبارها متحررة من ثقل الميولات البشرية.

إن الوحي يفصل بين مجالي الثوابت والمتغيرات، الثوابت الأخلاقية والأدبية والإيمانية التي ينبغي الرضوخ لها، والمتغيرات السلوكية التي ينبغي تكييفها وفق مقتضيات القيم العادلة. ولقد أدى تجاهل هذا الأصل إلى انحطاط الإنسان وقتل نوازع الإنسانية فيه. وفي هذا يرى “الكسيس كاريل” ان انحطاط الإنسان الأوروبي يرجع بالدرجة الأولى إلى غياب قيم الحق والعدل والجمال. وهو يتوقع أن تكون الجماعات التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نموها وتقدمها هي الجماعات والأمم الآخذة في الضعف والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من غيرها، بعد أن طرحت الآداب العامة ولم يعد هناك خلاف بين الخطأ والصواب والعدل والظلم.(33)

إن العلوم الإنسانية في الغرب ـ على تقدمها وعمق بحوثها وحجم معاهدها والمتخصصين فيها ـ لم تفلح في رفع المستوى الأخلاقي للإنسان، ومن هنا كانت حاجتها الملحة إلى أخلاقيات الوحي. فاعتبار الوحي ضمن المصادر المعرفية للعلوم الإنسانية يمكن أن يصحح كثيرا من نتائج هذه العلوم، ويقدم معلومات جزئية إضافية تعين على كشف حقائق قد لا يتوصل إليها بمعزل عن إخبار الوحي. كما ان الوحي يستوعب التاريخ الإنساني في خطوطه العريضة ويرسم حركته على الأرض ليس فقط في ماضيه، بل في مستقبله أيضًا. وتلك خاصية من خصائصه التي لا تشاركه فيها المعارف الإنسانية باعتباره أحكامًا إلهية نهائية، تظهر في صيغة الخبر عما كان وما سوف يكون .

نستنتج أن الوحي يمكن اعتباره وثيقة تاريخية فريدة في تغطية حياة الإنسان الممتدة في أعماق التاريخ. وهذا أمر له أهميته في إضاءة جوانب ظلت غامضة في تاريخ الإنسان الحضاري والاجتماعي والسياسي والمالي والقانوني والأخلاقي والأسري والديني.(34).

كما يكشف الوحي عن الصورة الأولية لنشأة النظم الاجتماعية التي سادت عند الإنسان الأول. وقد اعتقدت النظريات الإنثروبولوجية أنها نظم بدائية في أصلها، نشأت بصورة تلقائية، واعتبرت المجتمع بعاداته وتقاليده هو المسئول الأول عن إيجادها. وهذه الصورة المشوهة يعاكسها الوحي كلية؛ إذ يؤكد أن الأصل في النظم التي عرفها الإنسان الأول ليس في مظاهرها المرضية؛ لأن هذه المظاهر تعتبر أمرا طارئا في حياة الشعوب والمجتمعات لم يتجذر فيها إلا بعد ما فقدت الفطرة قوتها الدافعة؛ لتبتدع أشكالًا من النظم المنحطة. كما ينكر الوحي تجاهل الأصل الإلهي لهذه النظم وكونها هبة من الله.

رابعا: رهانات و مستقبل التنظير في العلوم الانسانية

إن احداث قطيعة مع الجوانب غير المادية في سلوك الانسان، التي تنتمي إلى عالم الغيب، أي “الجوانب الروحية” و إهدار هذا القطاع الحيوي من مكونات الظاهرة الإنسانية كموضوع للبحث، واستبعاد الوحي الصحيح وكل المعارف الدينية كمصدر لمعرفة الإنسان هي أسباب أساسية للصعوبات التي تواجهنا اليوم في فهم الإنسان والمجتمع وفي التضارب النظري الذي يعوق تقدم العلوم الاجتماعية.

و من جهة اخرى نلاحظ أن التطورات الحديثة في العلوم الطبيعية وعلوم الأعصاب وعلم النفس قد فتحت الطريق أمام فلسفة جديدة للعلم والتوجه الجديد في البحث، وفلسفة جديدة للعلوم الاجتماعية تتجاوز النزعات المادية التقليدية، وتتجه لإعطاء العوامل الذاتية والعقلية والروحية في الإنسان مكانها الطبيعي كموضوعات للدراسة العلمية. كما انها فتحت الباب أمام تبني نظرية معرفية متوازنة تقترب مما أطلق علية بيتريم سوروكين (1889-1968) Pitirim Sorokin “النظرية التكاملية للحقيقة والواقع ” والتي تقوم على تكامل الحقائق المستمدة من الوحي والعقل والحواس .

و قد انتهى سوروكين من دراسته للمجتمعات والحضارات إلى أن هناك نوعين أساسيين من الثقافات لكل منها نسقه المعرفي الخاص ورؤيته الخاصة للحقيقة: ثقافة معنوية زهدية و اخرى مادية حسي ، لكن كلا منهما نظرة ذات بعد واحد. الا ان الحقيقة في النمط الثقافي يُنظر إليها على أنها متعددة الجوانب تضم – في وئام وتكامل – ماهو حسي مع ما هو متجاوز للحواس،يُنظر إلى العالم الذي نعيش فيه على أنه نتيجة للتفاعل بين الجوانب المادية والروحية ولكن مع تغليب الجوانب الروحية؛ وأساس المعرفة في هذا النمط قيام العقل بالجمع بين معطيات الخبرة الحسية من جهة وبين نصوص الوحي المنزّل من جهة أخرى.(35) وعليه فان فهم العوامل الروحية غير المادية التي تنتمي إلى عالم الغيب يتطلب بالضرورة اعتماد الوحي الصحيح كمصدر علوي يقيني للمعرفة بهذا الجانب من تكوين الإنسان.

وبناء على الملاحظة السابقة، يعتمد المنهج الوضعي على التفسير أو دراسة العلاقات السببية والارتباطية بين الظواهر المدروسة أو الملاحظة. ويعني هذا أن التفسير ” هو كشف العلاقات الثابتة التي توجد بين عدد من الحوادث والوقائع، واستنتاج أن الظواهر المدروسة تنشأ عنها. إنه منهج العالم الفيزيائي الذي يختزل مجموعة معقدة من الظواهر إلى منظومة بسيطة من العلاقات تشكل ترسيمة أو خطاطة صورية للظاهرة موضوع الدراسة. ولا يتساءل العالم عن علة مثل تلك العلاقات الأولية. لأن كل تفسير، سوى ذلك، سيتجاوز نطاق العلم، ليلتحق، بوجه من الوجوه، بالأسطورة والسحر.”(36)

أما المنهج الثاني، فيحاول إدراك الظواهر الروحية. أي: الظواهر الاجتماعية والنفسية والتاريخية الثقافية من خلال المشاركة والتعاطف، لكنها ليست قابلة للبحث بالمعنى الضيق لمفهوم البحث العلمي. ويمكن تسمية هذا المنهج بالفهم التعاطفي الذي يساعدنا على فهم أنماط السلوك الانساني المختلفة ودراستها.(37)

لكن الموقف التفهمي قاصر عن إدراك الحقائق إدراكا علميا صحيحا،و لايمكن الوصول إلى اليقين إلا بالجمع بين الفهم والتفسير معا، ذلك أن المعرفة التي تتأسس على الفهم فقط هي معرفة مسرفة في مقتضياتها ومطالبها ومقصرة فيها في آن واحد. كما يبدو، أيضا، أن الرغبة في فهم جميع الظواهر، تجنح بالمعرفة في متاهات الأسطورة والسحر. فالذهنية البدائية هي بالضبط الذهنية التي ترمي إلى فهم كل شيء. أي إلى ربط جميع الظواهر، فيزيائية كانت أم ذهنية بصيرورات الوعي.(38) فالعلوم الطبيعية يمكن إخضاعها للعقل والتجربة والأقيسة الرياضية والفيزيائية، أو لمنهج التفسير السببي، لكن العلوم الانسانية نخضعها لمنهج الفهم القائم على المشاركة والتعاطف و فهم العوامل الروحية غير المادية .

وعليه، فثمة مجموعة من المواقف المتبناة في العلوم الانسانية الغربية، وهذه المواقف هي: موقف وضعي يدعو إلى استعمال منهج التفسير كما عند سان سيمون، وهررت سبنسر، وأوجست كونت، وإميل دوركايم؛ وموقف الفهم الذي يتبناه فلهلم ديلثي، وماكس فيبر، وزيمل، ومدرسة شيكاغو، والتفاعلية الرمزية. وهناك موقف توفيقي يمثله كل من: لوسيان ڭولدمان، وأنطوني غيدنز، وبول ريكور. وموقف يدعو إلى صيغة علمية أصيلة وبديلة تتجاوز إشكالية الفهم والتفسير.

كما ظهر اتجاهان واضحان في رفض التصميمات والأدوات البحثية التقليدية ذات الإنحياز الوضعي يسمى الاتجاه الأول بالتوجه الجديد في البحث ينادي أصحابه باستبعاد المناهج أو الطرق الكمية وإحلال الطرق الكيفية محلها،ويمثل هذا الاتجاه بيتر ريزون Reason وجون روان Rowan في كتاب جمعا فيه عددا كبيرا من الإسهامات التي تطبق المنهجيات الجديدة للاتجاه الكيفي كمنهجية البحث بالمشاركة والمنهجية الباطنة والمنهجيات الخبراتية والمنهجية الحوارية ،غيرها من المنهجيات والأدوات التي تنظر في الجوانب الداخلية للخبرات الإنسانية الذاتية توصلا إلى تعميمات موضوعية، وذلك باعتبار أن تلك المنهجيات تمثل البديل الصحيح لمنهجيات الملاحظة من الخارج التي تفاخر بالالتزام بموضوعية مزعومة في الوقت الذي لا تستطيع فيه الوصول إلى الحقيقة الداخلية أصلا .

اما الاتجاه الثاني،اتجاه التنوع المنهجي فهو اتجاه لا يقوم على استبعاد المناهج والطرق الكمية ولكن على استكمالها بالطرق الكيفية، وعلى الوجه الذي يعطي كل جوانب الحقيقة الواقعية، فالسبب الأساسي في حاجتنا إلى التنوع المنهجي – في راي مؤيدي هذا الاتجاه – هو أن هناك مسائل تتصل بالخبرة البشرية والفعل البشري لا يمكن التوصل إلى إجابات عنها باستخدام الطرق التقليدية، وإضافة إلى ذلك فإن التطورات الحديثة في فلسفة العلوم تتطلب قيام العلوم المعنية بدراسة الإنسان بتبني مجموعة متنوعة من المناهج أو الطرق التي تلزمها في عملية بناء قواعدها العلمية .

استنتاج

إن معرفة الإنسان لذاته لازالت في بدايتها،و بين اعتماد نموذج جاهز أو إبداع نماذج أصيلة لازالت المحاولات والاجتهادات مستمرة، مع ما يتولد عليها من نقاشات فكرية مهمة تعتبر السبيل الأمثل لتطور سيرالعلوم الإنسانية. ومع ذلك لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي لعبته هذه الأخيرة في إنارة جوانب كانت إلى وقت قريب مظلمة من العالم الإنساني،كما لا يمكن إنكار الدور السلبي الذي لعبته في تعرية الإنسان و تشييئه وإفقاده تميزه كذات خالقة للمعنى و متسمة بالوعي و الحرية و الإرادة .

لذلك تبقى العلوم الإنسانية الآن ضرورة تفرض نفسها كمعرفة تزداد يوما بعد يوم كما تبقى الجوانب الروحية من المكونات الاساسية للظاهرة الإنسانية ،فاستبعاد الوحي الصحيح وكل المعارف الدينية كمصدر لمعرفة الإنسان هي أسباب أساسية للصعوبات التي تواجهنا اليوم في فهم الإنسان والمجتمع وفي التضارب النظري الذي يعوق تقدم العلوم الاجتماعية.

و عليه فان تحقيق التقدم المنشود في تلك العلوم لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة نظر جذرية في المسلمات الأنطولوجية والإبستمولوجية المعرفية التي تقوم منهجية العلوم الاجتماعية عليها، وذلك في ضوء التقويم النزيه لإنجازات تلك العلوم حتى الآن من جهة، وفي ضوء التطورات الحديثة في فلسفة العلوم من جهة أخرى.


بقلم: أ/ قــلامين صباح، استاذة محاضرة (أ)

كلية العلوم الاجتماعية ،جامعة خميس مليانة


المراجع

1-د.الزعبي محمد أحمد،التغيير الاجتماعي، دار الطليعة لبنان ،بيروت , ط 3 ،1982 , ص30.
2-Ravetz,Jerome,”History of Science“,In:Encyclopedia Britannica, 15th Ed, Vol 16,195,p366 .
3-Levi, Albert, History of Western Philosophy ,In :Encyclopedia Britannica , Vol14,1975,p261.
4- محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم، دراسات ونصوص في الايبستمولوجيا المعاصرة، الجزء الثاني: “المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي”، دار الطليعة، بيروت، ط2، 1982، ص 49.
5- Marcel Mauss, Essai de sociologie, éd Minuit, Paris, France, 1971, pp:6-7.
6- Raymond Aron, Les étapes de la pensée sociologique ,Ed Tel Gallimard , 1976; pp86-87
7- Pierre Ansart:Saint-Simon,Collection SUP philosophes 1ère édition,PUF,Paris,1969,p:22.
8- – محمد محمد أمزيان: “منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية“، بيت الحكمة للترجمة والنشر، وجدة، ط3، 1996م. ص: 22-25.
9-أحمدالخشاب،التفكير الاجتماعي:دراسة تكاملية للنظرية الاجتماعية،دار النهضة العربية،بيروت،لبنان،1981، ص545.
10- Feigl, Herbert (1975) “Positivism and Logical Empiricism”, inEncyclopedia Britannica 15th Ed., Vol. 14, .p. 877.
11-د. علا مصطفى أنور: “أزمة المنهج في العلوم الإنسانية”، المعهد العالمي للفكر الإسلامي؛ “قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، ص187.
12-د. علا مصطفى أنور: “أزمة المنهج في العلوم الإنسانية”، ص 189 .
13-د. إبراهيم عبد الرحمن رجب، التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، دار علم الكتب، الرياض، 1996، ص 51.
14-علا مصطفى أنورالتفسير في العلوم الاجتماعية،دراسة في فلسفة العلم؛دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة،1988،ص7.
15- Levi, Albert W. (1975) “History of Western Philosophy” ,p270.
16-Feigl, Herbert “Positivism and Logical Empiricism“, in Encyclopedia Britannica 15th Ed., Vol. 14, 1975,p 88.
17-Tudor, Andrew (1982) Beyond Empiricism (London: Routledge & Kegan Paul).
18- ليونيد بونوماريف ،الإحتمالات المثيرة للنظرية الكمية ،ترجمة إيمان أبو شادي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى ،2007 ،ص200.
19-Capra, Fritjof (1983) The Turning Point: Science, Society and the Rising Culture (London: Flamingo).p67-70
20- د .حسين علي حسين ، فلسفة العلم المعاصر و مفهوم الاحتمال ، ص 83.
21- جيمس جليك،الهيولية تصنع علما جديدا،ترجمة علي يوسف علي،المشروع القومي للترجمة،القاهرة2000،ص50-51.
22-Sappington, A. A. “New Scientific Concepts and Christian Beliefs“, J. of Psychology and Christianity, 1991, p 41.
23- ستيفن ولفرام ، نوع جديد من العلم : تطبيقات في العلوم الطبيعية و البيولوجية، عرض صبحي رجب عطا الله ، المكتبة الأكاديمية ، القاهرة ، 2005 ، ص 42-43 .
24- ستيفن ولفرام ، نوع جديد من العلم : تطبيقات في العلوم الطبيعية و البيولوجية ، ص 44.
25- علي عبد المعطي محمد، رؤية معاصرة في علم المناهج ، دار المعرفة الجامعية، مصر، ط 1984 ، ص، 321-322.
26- نكتفي هنا بالإشارة إلى دراسة: جابر الحديثي: “أزمة العلوم الإنسانية“، الفكر العربي، مجلة الإنماء االعربي للعلوم الإنسانية، معهد الإنماء العربي، بيروت، ع 37/38.، 1985م.
27- استعرنا هذا المفهوم من عبد الوهاب المسيري،وهو مفهوم يفترض أن ثمة وحدة عامة شاملة تنتظم العلوم كافة(الطبيعية والرياضية والاجتماعية والإنسانية)،باعتبار أن الإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة/المادة لا وجود له خارجها… واعتبار أن ثمة قانونا واحدا (طبيعيا/ماديا) يسري على جميع الظواهر الإنسانية والطبيعية، أي أن ثمة واحدية كونية مادية”.
– عبد الوهاب المسيري: “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة،”. دار الشروق، القاهرة، ط1: 2002م، ص: 56.
[1] -أبو يعرب المرزوقي،”آفاق النهضة العربية، ومستقبل الإنسان في مهب العولمة“،دار الطليعة، بيروت،ط1، 1999، ص: 209.
28د. يحيى هاشم فرغل، حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف ،1989م..
29- نخبة من العلماء الأمريكيين، الله يتجلى في عصر العلم ،ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان راجعه وعلق عليه الدكتور محمد جمال الدين الفندي ،دار القلم، بيروت – لبنان.
و انظر ايضا: وحيد الدين خان ،الإسلام يتحدى ،ترجمة ظفر الدين خان ،مراجعة وتقديم د. عبد الصبور شاهين.
30- الكسيس كاريل ،الإنسان ذلك المجهول،ترجمة شفيق أسعد فري، مكتبة المعارف،بيروت،ط 1 ،2003، ص 55.
31-د. محمد أمزيان،أصول المنهج المعرفي من القرآن والسنة،مجلة المسلم المعاصر،لبنان،1998،العدد87،ص77-154
32- د. محمد أمزيان، المرجع السابق، نفس الصفحة .
33- الكسيس كاريل ،الإنسان ذلك المجهول ،ص ص 41-177.
34-د.محمد أمزيان،منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية،منشورات ببيت الحكمة للترجمة والنشر،وجدة،ص 179.
35– Sorokin, Pitrim A ,Social and Cultural Dynamics (1985 ed.) (New Brunswick, NJ : Transaction Publishers), 1957 ,P 228-229
36 -Gilles Gaston Granger:La raison, PUF, 1993, pp:81-83.
37- د. محمود عبودة: أسس علم الاجتماع، دار النهضة العربية،بيروت، لبنان، ص:66.
38 -Gilles Gaston Granger:La raison, PUF, 1993, pp:81-83.

ليست هناك تعليقات:

التعليقات تنشر بعد المراجعة و المصادقة من طرف المشرف

صور المظاهر بواسطة Storman. يتم التشغيل بواسطة Blogger.