Header Ads

التدخل الإقليمي والدولي في الشأن الداخلي لليبيا

بقلم: خير اللهيبة - باحث بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة ابن زهر اكادير
منذ بداية الحراك في ليبيا، توالت القرارات وتعددت المشاريع الإقليمية والدولية، بعد أن دخلت ليبيا في مرحلة من اللا استقرار والفوضى، رغم إنهاء حكم العقيد القذافي الذي اعتبر السبب الرئيسي وراء الفوضى والتدهور الذي تعيشه الدولة، لكن البيئة الخارجية المتكونة من بعض الدول الإقليمية والدولية ذات الانتماءات السياسية والإيديولوجية المختلفة والتي تعددت مصالحها تعد التحدي الأكبر للدولة الليبية، والتي تساهم بدورها في استمرار الصراع الداخلي "حرب بالوكالة"، فالأطراف الدولية والإقليمية لعبت دوراً كبيراً في المشهد السياسي الليبي في ظل تحالفاتها مع مراكز القوى واللاعبين المحليين داخل الدولة. 

صار معلوما لدى الجميع حجم التدخل الخارجي في ليبيا، وهو ما زاد في تعميق الأزمة وإطالتها، وأصبح يشكل تحديا كبيرا وخطرا يقلل من حظوظ الحوار الداخلي لبلوغ حل الأزمة، حيث أخذ هذا التدخل أشكالا مختلفة منها المباشر، كما تفعل مصر والإمارات العربية بدعمها لحفتر الذي يهدد بعسكرة البلاد، أو غير مباشر كصراع القوى الدولية في ليبيا بين فرنسا وإيطاليا، إضافتا إلى المشروع الأممي الذي يريد فرض حل سياسي في ليبيا. الذي لم يراع مصلحة الليبيين رغم إيجابياته، بقدر ما يراعي مصالح القوى الكبرى داخل هذا البلد[1]، فالتساؤل الذي يطرح نفسه ما مدى فاعلية التدخل الإقليمي والدولي في الشأن الليبي؟ وما هو حجم وتأثير هذه التدخلات في السياسة الداخلية لدولة ليبيا؟ 

أولا: التدخلات الإقليمية ودول الجوار في الشأن الليبي

تعيش ليبيا اليوم تقلبات سياسية نتج عنها اتساع رقعة الصراعات المسلحة، فما كادت ثورة 17 فبراير تؤتي ثمارها بعد سقوط نظام القدافي، حتى تعثرت في منعطفات وتحديات، نتج عنها حكومتان وبرلمانان، والذي بدوره أفرز صراعات في مؤسسات الدولة، ففي إطار هذه الصراعات تعددت الأذرع العسكرية بتعدد كياناتها السياسية، وبدأ غالبية الفاعلين السياسيين وصناع القرار إما مرتبطين داخليا بمصالح مناطقية لمدنهم وقبائلهم، أو بتحالفات خارجية سمحت لأطراف دولية وإقليمية بالتدخل وفرض أجندتها في الشأن الليبي، تغديه الصراعات الدائرة، رغم نتائج اتفاق الصخيرات المغربية التي كانت كفيلة بإنهاء الحرب وتفعيل المصالحة الوطنية إذا تم تنفيذ بنوده بالشكل المطلوب[2]

إن عملية تسوية الأزمة الليبية مركبة ومعقدة، فمن جهة تبدو البلاد بحاجة ماسة إلى سلطة سياسية موحدة لتسيير الأعمال وإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وتمكين المجتمع الدولي من التعامل مع جهة محددة، وهو ما يسعى إليه المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة وتطبيق من خلاله الاتفاق السياسي الليبي الذي يهدف إلى بناء الدولة وسلطة قادرة على تسيير الأعمال وإدارة شؤون البلاد، ومن جهة أخرى فإن ليبيا بحاجة إلى بناء الدولة وهي العملية الأكثر تعقيدا في ظل تداخل القوى الخارجية دوليا وإقليميا، لذا فإن الأمم المتحدة تعمل جاهدة على استمرار الدعم من أجل التوصل إلى توافق واتفاق واستئناف الحوار الليبي لتوحيد رؤى الأزمة، فضمان النجاح في ليبيا يظل رهين تطور المواقف المحلية والإقليمية والدولية[3]

أيضا باتت مشكلة أمن الحدود تشكل تحديا أساسيا في التهديدات الأمنية لدول الجوار سواء تعلق الأمر بتهريب السلاح أو تسهيل دخول المخدرات، أو المساعدة في الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، إلى جانب التخوف من تحول الساحة الليبية إلى بؤرة داعمة ومساندة للتهديدات الأمنية كالتنظيمات الإرهابية الجديدة في دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء[4].

1- التحرك المصري في ظل الأبعاد الإقليمية

ارتبط مسار الأزمة الليبية بدور بعض الفاعلين الإقليميين ومنها مصر، من حيث كيفية تفاعل مصر مع الداخل الليبي، أو مع محددات المشهدين الإقليمي والدولي المتعلقين بليبيا، فموقف مصر وتحركها بشأن القضية الليبية يعد أحد الأركان الإستراتيجية التي تتبعها مصر في صياغة أمنها القومي، لما لليبيا من أهمية إستراتيجية لمصر، سواء كدولة جوار أو كدولة حاضنة لعدد كبير من العمالة المصرية، أو كتهديد أمني يتعلق بتحول ليبيا في ظل الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد إلى بؤرة مصدرة للإرهاب في المنطقة، وبالتالي فالتحرك المصري في ليبيا ليس فقط أولوية على أجندة الأمن القومي المصري فحسب، إنما يسهم بشكل كبير في مجمل المشهد السياسي الليبي إقليميا ودوليا[5]، كما يجب على مصر أن تدرك أنها أمام ملفين للأزمة الليبية، أولهما : ملف التهديدات الإقليمية والتي تشترك فيه مصر مع باقي دول الجوار للتعامل معه، وثانيهما : ملف المنطقة الشرقية والتي بات الخلل الأمني فيها يشكل خطرا كبيرا على مصر[6]

الموقف المصري لم يتغير من الأزمة الليبية منذ بداية الانقسام السياسي بين الشرق والغرب، فمصر لازالت تدعم الحفاظ على وحدة ليبيا وترغب في خروج ليبيا من الأزمة الحالية من خلال إطار للتسوية السياسية، وهو ما عبرت عنه مصر بدعهما للحوار السياسي الذي عقد بين الأطراف الليبية المختلفة تحت رعاية الأمم المتحدة، كما تظل مصر رافضة لفكرة الميليشيات أو التشكيلات العسكرية الغير نظامية والغير خاضعة لسلطة الدولة، وبالتالي فمصر تدعم الأطراف السياسية والعسكرية التي ترى بأنها هي الشرعية سواء مجلس النواب في طبرق أو الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، هذه ثوابت لم تتغير في سياسة مصر، أما التغيير الحقيقي جاء في الأسلوب الذي أصبحت تستخدمه مصر لتحقيق أهدافها في ليبيا، حيث برز ذلك التناقض بشكل واضح في الدور المصري من جانبين اولهما: كانت مصر تعلن عن دعمها للحوار السياسي واتفاق الصخيرات الذي نتج عن جلسات الحوار، وثانيهما: استمرار مصر في تقديم الدعم لطرف على حساب الآخر، وهو ما يتناقض مع فكرة الاتفاق السياسي، ورغم ذلك التناقض والتعارض مع الاتفاق السياسي، إلا أن هذا التناقض يأتي في إطار سعي مصر للحفاظ على مصالحها في ليبيا، فاتخاذ أي موقف لمصر معادي للاتفاق السياسي سيضعها في مواجهة مع مجموعة من الفاعلين الداعمين للاتفاق، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت التخلي عن الجيش يعرض المصالح المصرية للخطر، إن لم نقل مصر برمتها وخاصة فيما يتعلق بالأمن القومي وأمن الحدود، مما يجعلها مجبرة على دعم خليفة حفتر في الشرق الليبي والحدود الغربية لمصر، فخير دليل على ذلك عدم تمكن تنظيم داعش من التوغل والسيطرة على أي من المدن المجاورة للحدود المصرية، نظرا لأهمية الدور المصري في ليبيا، وإشراك مصر في عملية صناعة القرار السياسي داخل ليبيا من خلال نفوذها الإقليمي. 

في نهاية المطاف نحن أمام مشهد قد يكون بمثابة أولى إرهاصات حلحلة الوضع في ليبيا، وهو ما يقودنا إلى نقطتين غاية في الأهمية الأولى: هي حاجة مصر لتطوير رؤية شاملة للمصالح المصرية في ليبيا وكيفية وضع آليات لتحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع، والثانية: هي محورية الدور المصري وضرورة استمرار مصر في لعب هذا الدور لتفادي أي نزاع عسكري أو تصعيد سياسي من قبل أطراف النزاع داخل ليبيا[7]

2- موقف دول الجوار من الأزمة الليبية "الساحل الإفريقي"

برزت دول الجوار الليبي (السودان، تشاد، النيجر) كأحد أهم الأطراف المشاركة في إدارة الأزمة الليبية، التي لم تترك أي دولة من هذه الدول إلا وألقت بتأثيراتها وتداعياتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على ليبيا، ما جعل ليبيا تعاني واحدة من أكبر التحديات والمشكلات من دول الجوار خاصة ما يحدث في الجنوب الليبي، رغم التفافها حول تأكيد ضرورة الحفاظ على الوحدة الترابية للأراضي الليبية والبحث عن حلول سياسية سليمة لتحقيق التوافق بين الأشقاء الليبيين، أو في إطار التقارب مع الأزمة وجهود تسويتها. 

ظلت الدول الثلاث تواجه اتهامات عدة من قبل أطراف الأزمة الليبية، مما أدى إلى تراجع انخراطها في تسوية الأزمة، بل أسهمت في خفوت المشاركة الإفريقية بشكل عام في تسوية الأزمة الليبية، حيث انحصرت مشاركتها في الجهود الجماعية، سواء عبر آلية دول الجوار أو عبر مبادرة الاتحاد الإفريقي[8]

بشكل عام لا تزال الأزمة الليبية تطرح العديد من التداعيات على دول الجوار، كما تشكل دول الجوار تحديا ومشكلة زادت من تفاقم الوضع في الداخل الليبي، حيث تتشابك هذه التداعيات والتحديات مع الأزمات التاريخية التي تعاني منها هذه الدول، وما يتعلق بأزمة تكوين الدولة الوطنية في إفريقيا وقضايا الجماعات الإثنية المقسمة عبر عدد من الدول لاسيما ليبيا، كالتبو والطوارق، وكذلك أزمة تداول السلطة واتجاه المعارضة إلى حمل السلاح في مواجهة الأنظمة الاستبدادية في القارة، كل هذه الأزمات تحد من قدرات هذه الدول على المشاركة بفاعلية في تسوية الأزمة الليبية. 

3- دور دول شمال إفريقيا من الأزمة الليبية

شهدت الفترة الأخيرة من قبل دول شمال إفريقيا تطورا ملحوظا تجاه الأزمة الليبية، من أجل الوصول إلى حل سياسي يوقف حالة الانقسام السياسي الذي تعاني منه الدولة الليبية منذ 2014، ويضع حدا للتهديدات الأمنية التي زاد الصراع والانقسام السياسي من وثيرتها، حيث عقدت عدة لقاءات واجتماعات على مستويات مختلفة بين ممثلي التيارات السياسية المختلفة في ليبيا، كما سعت الجزائر والمغرب وتونس إلى استضافة تلك الاجتماعات فهي الدول الفاعلة في المشهد السياسي الليبي داخليا وخارجيا، إلى جانب الجهود المصرية من الدول العربية. 

يعتمد مدى فاعلية آلية دول الجوار وفرص نجاحها أو فشلها على ضعف أو قوة هيكل الدولة الليبية من ناحية، وافتقار النخب السياسية في ليبيا من ناحية أخرى، لما يكفي من موارد سياسية وعسكرية ومادية تجعلها نخب قادرة على صناعة قرار سياسي دون اللجوء لأطراف خارجية، فمنذ بدء الأزمة الليبية في 2014 دول شمال إفريقيا لم تتوقف على تقديم الدعم والمساعدات الدبلوماسية من أجل حل الأزمة الليبية، وهو نتاج طبيعي لارتباط مصالح كل دولة من الدول الثلاث بليبيا، واعتماد الفاعلين في الداخل الليبي على الدعم المقدم من كل دولة في إطار حماية مصالحها. 

بشكل عام، يمكن القول بأن آلية دول الجوار أثبتت فاعليتها كأداة لتحقيق الاستقرار السياسي في ظل تراجع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتزايد حجم الدعم والترحيب بتلك الآلية والدور الذي تقوم به من قبل بعثة الأمم المتحدة بليبيا[9]

تعد تونس الداعم الأول والأكبر الذي يسعى إلى حل الأزمة الليبية، لما لها من روابط ومصالح مشتركة خاصة في الجانب الاقتصادي، وكذلك إطار التجارة المشتركة بين البلدين، حيث يتأثر الجنوب التونسي بشكل كبير بسبب الانفلات الأمني بليبيا، خاصة بالمدن المجاورة للحدود[10]

ففي فبراير 2017، تجسدت مبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عقب زيارته إلى الجزائر، وتكليفه من قبل الرئيس الجزائري بمقابلة الرئيس المصري، والذي على ضوئه تم عقد اجتماع وزاري ضم كل من وزيري الخارجية التونسي والمصري، وكذلك الوزير الجزائري لشؤون إفريقيا والمغرب العربي، حيث حرصت تونس على استقبال كل الليبيين دون إقصاء أي طرف أو انحياز لطرف، ولد قناعة لدى الليبيين بأن تونس هي البلد المؤهل أكثر من غيره لمساعدة ليبيا من أجل التوصل إلى حل سلمي توافقي للبلاد وخروجها من النفق المظلم الذي دخلته، كما نصت المبادرة التونسية من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي على عودة جميع الأطراف الليبية وعلى مختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية والإيديولوجية إلى معالجة الأزمة عن طريق الحوار تنفيذا لاتفاق الصخيرات، وكذلك احترام مبادئ الشرعية الدولية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ولاسيما ما نصت عليه قرارات مجلس الأمن، ومنها قرار 2259 الصادر في كانون الأول 2015، المتعلق بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي باعتباره المرجعية القانونية الدولية للتسوية والإطار التوافقي للخروج من الأزمة، مع التأكيد على دور منظمة الأمم المتحدة الراعية للحوار السياسي الليبي[11]

جاءت مصادر عن الدبلوماسية التونسية وعلى لسان وزير خارجيتها، أن تونس وخلافا لشائعات وانتقادات ليست منحازة لأي طرف عربي أو دولي، فهي تسعى إلى إنجاح مسار التسوية الليبية، خدمة لمصلحة الشعب الليبي أولا، ومصالح دول جوار ليبيا ثانيا، فتونس التزمت بالحياد تجاه الطرفين، رغم الضغوطات الدولية ورغم اختطاف الطاقم الدبلوماسي من السفارة التونسية بليبيا، وهو ما سمح لها بأن تكون أرضا محايدة لكي يجلس الفرقاء الليبيون لإيجاد حل للأزمة سياسيا وتحقيق مصالحة وطنية شاملة[12]

كما إن الجزائر في سعيها إلى التدخل العميق من أجل تسوية النزاع فوق التراب الليبي بعيدا عن الحل العسكري، تواجه العديد من التحديات، حيث إن عدد من الأطراف الإقليمية غير مبال بما يحدث في ليبيا، والبعض الآخر مكبل من قبل الضغوطات الغربية، إضافة إلى افتقاد بعض دول الجوار الليبي إلى القدرات الأمنية والعسكرية، هذا ما دعا ببعض الدول كتشاد والنيجر وبوركينا فاسو في اجتماع عقد بموريتانيا إلى تشكيل قوة دولية للتدخل عسكريا في ليبيا من أجل القضاء على الجماعات المسلحة، كما ازدادت التكهنات حول إمكانية تدخل الجيش الجزائري في ليبيا لاستعادة الاستقرار، إلا أن المسئولين الجزائريين نفوا ذلك، لأنها لا تصب في مصلحة الدولة الجزائرية ولا حتى الدولة الليبية، واعتبرها البعض محاولة خارجية للزج بالجيش الجزائري في الحرب مع ليبيا، ما تعد إلا محاولة لاستنزاف القدرات المالية والعسكرية للجزائر[13]، كذلك تمتع الحكومة الجزائرية بعلاقات جيدة مع الأحزاب الإسلامية الجزائرية التي تعد ذراع تيار الإخوان المسلمين، فيمكن لهذه الأحزاب أن تشكل حلقة وصل بين الحكومة الجزائرية وإسلاميي ليبيا، من أجل الاستفادة من علاقاتها دبلوماسيا للتوسط بين أطراف النزاع في محاولة للتوصل إلى حل للأزمة الليبية، وهذا ما تم فعلا من خلال عقد عدد من الاجتماعات واللقاءات بالجزائر في محاولة لتقريب وجهات النظر وحلحلة الخلافات[14]

بدأت ملامح مقترحات تسوية النزاع من قبل الحكومة الجزائرية تظهر في الأفق منذ 2014، أي بعد تسوية الأزمة التونسية التي لعبت الجزائر فيها دور الوسيط، لذلك فإن اهتمام الجزائر بما يحدث في ليبيا، يعود إلى اعتبار أن أمن ليبيا من أمن الجزائر، وأن الاستقرار في بلد الجار وخاصة في الجنوب الشرقي يساعد في نجاح جهود مكافحة الإرهاب الذي تقوده الجزائر منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. 

إن مقاربة الموقف الجزائري بالملف الليبي، يجب أن يستند إلى رؤية سياسية شاملة وعدم الاعتماد على الجانب الأمني والعسكري فقط، والنظر إليه في إطار محاولة الحكومة الجزائرية استثمار علاقاتها مع الأطراف الليبية والإقليمية لتقديم مشروع حل الأزمة في ليبيا، حيث توجهت الجهود الجزائرية للتواصل مع كل الأطراف الليبية دون استثناء أو إقصاء، وهو ما جعل بعض من الأطراف الليبية تطالب بوساطة جزائرية[15]،استقبلت على ضوئها الجزائر عددا من الاجتماعات واللقاءات فوق أراضيها، ولكن كان أكثرها وضوحا وشمولية وأكثر تغطية إعلامية مبادرة الشيخ علي الصلابي التي اتضحت معالمها وتفاصيلها في نهاية 2016م، كما شدد الصلابي في رؤيته إلى أنه "لا يمكن الوصول إلى تحقيق مؤتمر الحوار الوطني الشامل للسلام والمصالحة، إلا برعاية من دولة إقليمية تحظى باحترام لكل الليبيين، وأن تكون مدعومة من قبل الأمم المتحدة والدول الصديقة، لأن الليبيين في أشد الحاجة إلى أرض محايدة للحوار والتوافق"[16]

أما بالنسبة للمملكة المغربية فقد لعبت دورا رائدا في دعم مسلسل المفاوضات الليبية وتقريب وجهات النظر لإنهاء الخلافات وتشكيل حكومة وفاق وطني تحظى بتزكية البرلمان الليبي، وهذا الدور المتقدم الذي يقوم به المغرب من خلال سياسته الخارجية، يندرج في إطار التزامه بالحفاظ على مبدأي السلم والأمن بالمنطقة العربية، وحتى على الصعيد الدولي، كما أن سياسته في مجال مكافحة الإرهاب تجعله يعي كل الوعي لقطع الطريق أمام التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم "داعش" للامتداد في شمال إفريقيا وبالتالي إلى أوروبا، خاصة عن طرق ليبيا التي توجد بها خلايا إرهابية، قد تنتعش وتتقوى في ظل الأزمة التي تعيشها الدولة عقب أحداث 2011. 

جاء الدور المحوري الذي لعبه المغرب للوصول إلى اتفاق الصخيرات في يوم 17 ديسمبر 2015، حيث وقعت وفود عن المؤتمر الوطني العام بطرابلس ومجلس النواب المنعقد في طبرق شرقي البلاد والنواب المقاطعين لجلسات هذا المجلس، إضافة إلى وفد عن المستقلين، على اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، غير أن حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج لم تحض بإجماع وطني، بالرغم من الاعتراف الذي أحرزته من قبل هيئة الأمم المتحدة، لأنها واجهت اعتراضا من قبل برلمان طبرق في شرق ليبيا، وهو ما جعل اتفاق الصخيرات الذي رعاه المغرب أمام تحديات صعبة بسبب الخلافات الحاصلة بين الأطراف الأساسية في النزاع الليبي. 

ثانيا: دول الخليج وتركيا ودورهما في ليبيا

مثلت الأزمة الليبية نقطة حاسمة في مسار السياسة العربية والإقليمية، في الوقت الذي تتعالى الأصوات في الداخل الليبي من أجل التوصل إلى حل داخلي للأزمة التي تعيشها ليبيا منذ 2014. 

جاء تدخل دول الخليج في الأزمة الليبية لتكون ليبيا منطقة صراع نفوذ، وهو ما ساهم في إشعال نار الفتنة بين الليبيين، وأمام هذا الاتساع في الصراع، عبر رئيس الولايات المتحدة عن موقف بلاده من تعثر الحوار الوطني الليبي وتشجيعه لدول الخليج التي لديها نفوذ كبير بين مختلف الفصائل الليبية المتصارعة، وأن تدفع أكثر نحو حل هذه الأزمة، وهو ما أعطى الضوء الأخضر لكل من قطر والإمارات العربية بالتدخل أكثر في الشأن الليبي، فكانت سببا مباشرا في تفاقم الأزمة الليبية، من خلال دعم الإسلام السياسي من جهة دولة قطر، ودعم الحكم العسكري من جهة الإمارات العربية، ويبقى مصير استقرار ليبيا رهين توافق هذه الأطراف الخليجية المهيمنة على الأطياف السياسية الفاعلة في ليبيا، مما يعني إن الحوار الليبي لن يكتب له النجاح إلا بتوافق قطر مع الإمارات [17]

1- دور الإمارات العربية المتحدة في ليبيا

عمق إماراتي هائل للدور الذي تلعبه الإمارات اليوم في الشأن الليبي الداخلي، حيث صدرت تقارير دولية موثقة تثبت تورط الإمارات بالتعاون مع مصر في دعم أحد أطراف الصراع الليبي ألا وهو خليفة حفتر الذي أطلق في 2014 عملية الكرامة في الشرق الليبي. 

نشرت صحيفة "تايمز" تقريرا في 24 أغسطس 2014، قالت فيه : "إن طائرات إماراتية انطلقت من قواعد عسكرية في مصر هاجمت منشآت عسكرية تابعة لقوات فجر ليبيا في العاصمة طرابلس، حيث نقلت الصحيفة عن لسان مسئولين أمريكيين قولهم إن الغارات الإماراتية استهدفت مخزنا صغيرا للأسلحة، نتج عنها مقتل ستة أشخاص، كما استهدفت منصة صواريخ وسيارات عسكرية، نتج عنها عشرات القتلى، واكتفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عديدة فقط بالإدانة، فكانت هذه الغارات المفتاح الذي فتح أعين الجميع أمام تدخل الإمارات في الشأن الليبي[18]

أيضا كشفت الحكومة الليبية بطرابلس في 10-11-2015 توقيف ضابط إماراتي بتهمة التجسس لصالح الإمارات، رغم نفي الأخيرة لذلك، إلا أن فجر ليبيا ردت بشكل سريع، حيث قامت بنشر شهادة حسن السيرة والسلوك من شرطة دبي كانت موجودة على جهاز الكمبيوتر الخاص بالمتهم، كما نشرت عددا من الصور له وهو بجوار ولي عهد أبو ظبي كصداقة قريبة فيما بينهم[19]، ولم تتوقف عن التدخل إلى هذا الحد، إنما تجاوزت قرار حظر السلاح، وجاء في التقرير الصادر عن الخبراء أن الإمارات صدرت بشكل غير مشروع أسلحة إلى مدينة طبرق في الشرق الليبي في أواخر عام 2015م[20]

لم يقتصر التدخل الإماراتي في ليبيا على الجانب العسكري، بل امتد إلى احتضان قيادات نظام القدافي وداعمي الثورة المضادة، إضافة إلى شراء الذمم والضمائر، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى فضيحة شراء الوسيط الأممي السابق "بيرناردينو ليون" والذي عينته الإمارات المتحدة رئيسا للأكاديمية الإماراتية الدبلوماسية، التي تهدف إلى تطوير علاقات الإمارات مع العالم. 

يأتي الدور الإماراتي كجزء من أدوارها المشبوهة في دول الربيع العربي بشكل عام وليبيا بشكل خاص، وهو الدور الذي يمتد ليفجر الأزمة الخليجية ويزرع الفتنة بين الشعوب الأشقاء[21]

مع كل هذا الدعم الذي تقدمه الإمارات العربية لحفتر، تحاول في نفس الوقت أن تظهر دور الوسيط لحل الأزمة الليبية من خلال استقبالها لرئيس مجلس حكومة الوفاق فائز السراج وأعضاء عن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب وخليفة حفتر، إلا أن جهودها على أرض الواقع تؤكد زيف هذه المبادرة، فهي لا تسعى إلى إحلال السلام في ليبيا، بقدر عرقلة مبادرات دول الجوار والمجموعة الأممية[22]

2- التدخل القطري في ليبيا

برز الدور القطري في الأزمة الليبية، عندما دفعت قطر دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ موقف موحد حيال الثورة الليبية، داخل جامعة الدول العربية بتعليق عضويتها، والذي بدوره ساهم مجلس الأمن من إصدار قراره لفرض منطقة حظر الطيران والسماح لحلف شمال الأطلس بالتدخل لضرب نظام القدافي، وبالتالي فتغير النظام السياسي في ليبيا يعد مكسبا واعدا لتولي قطر حصتها الأوروبية من الغاز، وفرصة لها لتشارك بفعالية من امتلاك نصيب بالشركات النفطية والغازية بجانب فرنسا وإيطاليا[23]

فالولايات المتحدة الأمريكية هي من شجعت قطر للتدخل ودعم الميليشيات في ليبيا، ولكنها شعرت بالقلق عقب اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي، وهو ما انقلب فيما بعد في غير صالح قطر، ليس بشكل صريح ولكن هذا التدخل كشف مدى هشاشة وضعف الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية القطرية، التي حققت نجاحا على المدى القصير، النجاح الذي لا يستطيع أحد أن ينكره، كما نظر قادة قطر عقب ذلك، جاء الربيع العربي فرصة لقطر لكي تضع اللمسات الأخيرة على صورتها كقوة إقليمية تحدد مسار تطورات المنطقة بشكل عام، وليبيا بشكل خاص لما لها من نفوذ كبير في غرب ليبيا[24]

وبمرور الوقت وتعقد مرحلة ما بعد الثورة في ليبيا التي كانت تقتضي بناء مؤسسات وهيئات حكومة لدولة مدينة يمكن الاعتماد عليها، أصبح واضحا أن قطر فشلت في تحويل النجاح قصير المدى إلى تأثير ونفوذ طويل المدى، فيعد هذا التدخل ما هو إلا تهديد وتحدي ساعد على الانقسام، حيث إن هذا التدخل ما هو إلا تدخل مصلحي زاد من تفاقم الأزمة في ليبيا. فليبيا لم تكن بعيدة عن تأثيرات أزمة مقاطعة الدول الأربعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فهو يعد بمثابة الدرس لقطر إزاء التدخل القطري في الشؤون الداخلية للدول ولاسيما ليبيا إلى جانب مكافحة الإرهاب الذي تتهم به قطر بدعمها لهم. 

دعمت قطر تحالف فجر ليبيا في مواجهة عملية الكرامة التي يقودها خليفة حفتر لمكافحة الإرهاب في شرق ليبيا، كما أشار تقرير لجنة الخبراء الخاصة بليبيا في الأمم المتحدة بتاريخ 1 يونيو 2017 إلى تمويل قطر بتسليم الأسلحة إلى ميليشيات إسلامية في الغرب الليبي، إضافة إلى مساعدات غير عسكرية أخرى قدمتها قطر لليبيا، تمثلت في المساعدات المالية وإمدادات المياه والغاز والسلع الأساسية والمساعدة في بيع النفط وتصديره، فضلا عن العديد من اللقاءات الدبلوماسية بين أمير قطر وقادة ميليشيات ليبية، وهو ما أدى إلى انتقادات واسعة في الشرق الليبي[25]

خلف التدخل الخليجي العديد من التداعيات على الوضع الليبي في ظل تعقيدات المشهد السياسي، إذ أدى اتخاذ الموقف المتردد والانحياز من قبل حكومة الغرب الليبي لقطر، وفي المقابل انحياز حكومة الشرق والبرلمان و حفتر للدول الأربعة، إلى طريق مسدود في المفاوضات بين الطرفين في ظل سيطرة كل جانب على جزء من الأراضي مع استمرار الدعم العسكري للطرفين. 

3- الدور التركي في ليبيا

سعت تركيا لتكريس دورها في ليبيا من خلال التواصل والتنسيق مع مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا، والتي عقدت عددا من الاجتماعات على الأراضي التركية بعد الثورة، ولكن تعرض هذا الدور للضعف بعد انتخابات مجلس النواب في 2013، أدى إلى التنازع على الشرعية بين مجلس النواب وبين المؤتمر الوطني العام، ومنها انخرطت تركيا في النزاع الداخلي وانحازت كليا إلى المؤتمر الوطني وأصبحت الداعم الرئيسي له. 

تأزم الموقف بين تركيا وحكومة ليبيا في الشرق، ووصل ذروته في عام 2015، عندما قررت الحكومة الليبية طرد الشركات التركية العاملة في ليبيا، إضافة إلى عملية القصف التي طالت سفينة الشحن التركية التي راح ضحيتها مواطن تركي وأصيب طاقمها، والتي اتهمت فيها تركيا بتصدير الأسلحة إلى الجماعات في ليبيا[26]

لم يقف الدور التركي في ليبيا عند هذا الحد، فقد تم إيقاف السفينة " اندروميدا" من قبل خفر السواحل اليونانية التي كانت محملة بعدد 29 حاوية من المواد الكيماوية و نترات الألمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية وخزان لغاز البترول المسال، التي كانت في طريقها إلى ميناء مصراتة لتفريغ شحنتها، هذه الحادثة ما هي إلا نقطة في بحر لحجم التدخل والدعم التركي للجماعات في ليبيا[27]

إن التدخل التركي في الشأن الليبي عميق جدا، فهناك الكثير من الأدلة على دعم أنقرة للإسلام السياسي، كما أنها تعد الحاضنة الرئيسية له، والدليل على ذلك، أن كل القوى السياسية التابعة لهذا التوجه موجودة وتقيم على الأراضي التركية، إضافة إلى أن الحكومة التركية تقدم الدعم المادي واللوجستي، فضلا عن وجود حسابات خاصة محمية لهم. 

ثالثا: التفاعل الدولي لحل الأزمة الليبية على آلية الحوار واللقاءات

قامت الدول الكبرى في العالم بتقسيم الفضاء العربي بما يتناسب مع مصالحه، وبغرس إيديولوجية أنظمة سياسية حسب هواها، تابعة له لا تعبر عن إرادة شعوبها بقدر ما تقدم الخدمات إلى الدول التي صنعتها، وبنفس منطق المصلحة انحازت هذه الدول للشعوب، بعد الصحوة من غفوتها وتخلت عن الأنظمة التي دعمتها لسنوات طويلة بعد إدراكها أنها أصبحت غير قادرة على حماية مصالحها، فانتهجت خطابا دوليا من أجل الضغط على الأنظمة لمسايرة مطالب شعوبها في الإصلاح، إضافة إلى أنها استخدمت الإعلام بجميع أنواعه لفضح ممارسات تلك الأنظمة ونشرها بعد أن كانت حليفتها[28]، لاسيما ليبيا التي أصبحت اليوم مساحة للتدخلات الخارجية، يمكن القول إنها ساحة حرب بالنيابة، وقد زادت التدخلات الخارجية من تأجيج الصراع في ليبيا بدعم بعض دول القوى الكبرى على حساب طرف دون الآخر "حرب بالوكالة" منذ بداية 2011 إبان الثورة في ليبيا، حيث رافقتها تلك التدخلات طيلة السنوات الماضية ومازالت إلى يومنا هذا[29]

1- فرنسا وجولات الحوار الليبي

تشكل الأراضي الليبية بيئة خصبة للتدخل الأجنبي، خاصة من جانب الدول التي ترتبط بمصالح حيوية معها، وأبرز هذه الدول فرنسا التي تشهد انقساما بين مؤسساتها بين مؤيد ومعارض للتدخل في الشأن الليبي، فنجد وزارة الدفاع تؤيد التدخل العسكري لدعم حكومة الشرق والجناح العسكري لها بقيادة خليفة حفتر، بينما نلاحظ وزارة الخارجية تؤكد على المساعي الدبلوماسية من خلال رفضها للتدخل العسكري وكذلك فكرة دعم طرف على حساب طرف آخر، في محاولة منها للعمل على إيجاد حل سياسي توافقي يعيد الاستقرار إلى كافة أراضي الدول الليبية ويقضي على جيوب الإرهاب[30]

لن نرجع كثيرا إلى الوراء، سنتناول في هذا المقال دور فرنسا في ليبيا بعد تولي الرئيس ماكرون رئاسة فرنسا، حيث جاءت رغبة باريس بفرض واقع جديد في المشهد السياسي الليبي، مع تولي الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة مهامه، ففي 25 يوليو 2017، تم اللقاء ما بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج والجنرال خليفة حفتر تحت رعاية ماكرون، كما كلف الرئيس ماكرون أجهزة المخابرات الفرنسية ووزير خارجيته للتأثير على جميع الأطراف الليبية ودفعها إلى الاجتماع في باريس وتوسيع الاتصال لتشمل كل من رئيس مجلس النواب والجنرال خليفة حفتر ورئيس مجلس الدولة إضافة إلى رئيس حكومة الوفاق[31]

لاجتماع باريس نتيجتان الأولى: منحت حفتر شرعية على الساحة الدولية، خاصة بعد أن جاءت مشاركته في محادثات أبو ظبي السابقة لهذا الاجتماع، فقيام دولة أوروبية كفرنسا بدعوة حفتر إلى المفاوضات، هذا يدل على أن حفتر لاعب أساسي في أي اتفاق سلام. 

النتيجة الثانية: وهي الرفع من مكانة فرنسا كوسيط محوري في ليبيا رغم اعتراف الحكومة الفرنسية بمخرجات اتفاقية الصخيرات المغربية والحكومة المنبثقة عن ذلك الاتفاق، ومع ذلك تقوم بدعم حفتر في شرق ليبيا بشكل فعال، فالتدخل الفرنسي سيكون له آثار هامة على الأرض[32]، رغم الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها فرنسا في سبيل التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة الليبية، إلا أن المصالح المتعلقة بباريس والقوى الأخرى داخل ليبيا كإيطاليا وروسيا وغيرها من الدول لا يمكن تجاهلها، ونتيجة لاختلاف المصالح لتلك الدول، يتم تجسيد ذلك الخلاف على الأرض من خلال دعم طرف على حساب الآخر. 

2- المساعي الإيطالية في ليبيا

منذ سقوط نظام القدافي، سارت ليبيا نحو الفوضى السياسية والانفلات الأمني وظهور العديد من الكيانات السياسية، وتأرجحت المواقف الإيطالية تجاه ليبيا، وفي أغسطس من عام 2014م، أعربت إيطاليا دعمها للمسار الديمقراطي في ليبيا عقب انتخاب مجلس النواب، كما أن إيطاليا لا تعترف بأي جسم آخر غير مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه، جاء ذلك على لسان " فرديناندو كازيني" رئيس لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ الإيطالي، لم تستمر طويلا حتى نشبت خلافات وصراعات بين الأطراف الرئيسية في ليبيا، لعدم شرعية مجلس النواب كما يدعي المؤتمر الوطني العام وعدد من الأطراف الأخرى، مع اتساع رقعة الخلاف التجاء المجتمع الدولي للتدخل من خلال الحوار السياسي كحل للنزاع "مخرجات اتفاق الصخيرات". 

إثر توقيع الاتفاق السياسي بين ممثلي طرفي النزاع، دعمت روما مخرجات الاتفاق السياسي، وهذا اعتبرته حكومة الشرق والجناح العسكري لها دعم طرف على حساب طرف آخر، فعقب النزاع حاولت إيطاليا لعب دور الوساطة بين الفرقاء الليبيين، لكن جل المحاولات باءت بالفشل وتعمقت الأزمة بين إيطاليا والسلطات الليبية في الشرق[33]

في ظل تنافس القوى الدولية على النفوذ المباشر في الداخل الليبي والتي كانت آخرها المبادرة الفرنسية، والذي اعتبرتها إيطاليا محاولة لإنهاء دورها في ليبيا، نشرت صحيفة إيطالية ‘’ilgiornale’’ مقالا على أن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" يريد سرقة ليبيا من خلال جمع الأطراف الليبية في باريس والذي يهدف إلى انتزاع مكانة إيطاليا السياسية والاقتصادية في ليبيا[34]

جاء تصريح وزيرة الدفاع الإيطالية والذي حذرت فيه الوزيرة فرنسا بعدم التدخل في الشأن الليبي، كما تؤكد على أن قيادة ليبيا في يد إيطاليا وحدها[35]، فالوجود الإيطالي في ليبيا لا يمكن فهمه، إلا أنه انتهاك للسيادة الترابية والمياه الإقليمية فالقوات البرية وغيرها، تحت أي مسمى يجعلها قوات غازية، والتعاطي الإيطالي مع الأزمة الليبية تقلب من حالة الابتعاد تارة إلى حالة التدخل المافيوي المباشرة تارة أخرى. 

فالتدخل الإيطالي بحجة مكافحة الهجرة غير القانونية، يعد انتهاكا لسيادة التراب الليبي، لذا فإن التدخل الإيطالي الذي تسعى إليه إيطاليا في الجنوب الليبي بحجة كبح الهجرة ما هو إلا مشروع لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا، وتكون القاعدة العسكرية المراد إنشاؤها بمثابة ميليشيات لحماية مصالح إيطاليا البترولية[36]

3- الدور الروسي في ليبيا

دخلت روسيا إلى خط الأزمة الليبية في محاولة منها للتقارب مع الجنرال حفتر لكسب المزيد من المصالح والمكاسب، فالمشاركة المتزايدة لروسيا مع خليفة حفتر تمثل مصدر قلق لعدد من الدول الأخرى. 

يعد خليفة حفتر أحد الأدوات التي تعتمد عليها روسيا في تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن ناحية سيضمن لها التواجد الاستراتيجي المستمر في المنطقة ككل، ومن ناحية أخرى سيكون حجم التعاون العسكري كبيرا بين روسيا و حفتر. 

إن روسيا بدأت تتبنى نمطا من التدخل تجاه مناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو التدخل بهدف تمكين طرف على حساب آخر، فهو النمط الذي نراه اليوم من خلال الدعم الذي تقويه روسيا لحفتر، رغم أنها لم تتدخل عسكريا بشكل مباشر، ولكن من خلال الضغط لتعديل بنود اتفاق الصخيرات من أجل وضع القوات المسلحة داخل هيكل الدولة هو التحرك الأنسب لروسيا في الوقت الراهن[37]، فسياسيا يتعدى الدور الروسي للملف الليبي الإطار المحلي أو الداخلي، فهناك أطراف في شمال إفريقيا (الجزائر ومصر وغيرها) والشرق الأوسط (الإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا) والغرب (فرنسا-إيطاليا) ناشطة حاليا في الساحة الليبية، ويستفيد خليفة حفتر من دعم كل من مصر والإمارات العربية، وبشكل أكثر سرية من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يشكل نقطة التقاء لهذه البلدان مع روسيا[38]

في النهاية تظل روسيا داعمة لخليفة حفتر كأحد حلفاء روسيا في المنطقة، رغم الاعتماد على الآلية السياسية في ليبيا خلال المرحلة الراهنة، إلا أنه من الممكن أن تتحول هذه الآلية إلى آلية عسكرية في المستقبل. 

ختاما أن المشهد الليبي الراهن يتسم بالتعقيد الشديد في ضوء الانقسام السياسي القائم في البلاد حتى الآن، والتي تستفيد منه مختلف الأطراف في تحقيق مصالح اقتصادية وتجارية لها، فضلاً عن استمرار المعارك العسكرية بين القوى الليبية، في الوقت الذي تتعارض فيه المصالح الدولية والإقليمية داخل ليبيا، ويغيب التنسيق بينها، وهذا كله من شأنه أن يضعف من فرص التوصل لتسوية سياسية في المستقبل القريب. 



قائمة المراجع

1- أحمد نظيف، "حزب أردوغان السرية في ليبيا"، المرصد، العدد : 14، فبراير2018م. 
2- أحمد قاسم حسين، التنافس الفرنسي الإيطالي، مجلة العربي الجديد، مايو 2018. 
-https://www.alaraby.co.uk . 
3- أميرة عبد الحليم، "الأزمة الليبية ومواقف دول الجوار في الساحل الإفريقي"، مركز الأهرام للدراسات والإستراتيجية، العدد=5418، مارس 2018م. 
4- أميرة محمد عبد الحليم، "تدخل الجزائر في الأزمة الليبية: تفادي التورط العسكري" الأهرام، العدد 46789، يناير 2015م. – www.ahram.org.eg. 
5- المهدي ثابت، "ليبيا والمخاطر المهددة للمشروع الوطني"، مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية بتونس، ديسمبر 2017م. 
6- زياد عقل، "المصري في الأزمة الليبية"، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، العدد : 2704، يناير 2017م. 
7- د. زياد عقل، "مستقبل الأزمة الليبية : الحلول والتحديات"، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، العدد : 38، 2017م. 
8- د. زياد عقل، "دور الجوار و حلحلة الصراع السياسي في ليبيا"، مركز الاهتمام للدراسات والإستراتيجية، العدد= 7417، 16-03-2017م. – http://acpss.ahram.org.eg
9- د. زياد عقل، "الأزمة الليبية والتحرك المصري"، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، ديسمبر 2014 م، العدد: 2167. 
10- زياد عقيل، التدخل الروسي في ليبيا، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. www.ahram.org.eg/news
11- الموقع الإلكتروني لمجلة العربي : - https://www.alaraby.co.uk
12- توفيق المديني، اجتماع تونس وحل الأزمة الليبية، العربي الجديد، فبراير 2017م 
13- صابرين بن جمعة، أي دور لتونس في الأزمة الليبية، مجلة أصوات مغاربية، 2017م. 
14- منية فاضل، مفتاح الحل في ليبيا: قطر والإمارات، مجلة البيت الخليجي للدراسات والنشر، نوفمبر 2015. 
-https://gulfhouse.org. 
15- حسن زنيند، لغز تدخل الإمارات في ليبيا، أغسطس 2014م. 
-www.dw.com 
16- مركز الإمارات للدراسات والإعلام، "عمق تورط الإمارات في ليبيا..حصاد ما قبل الكارثة"، 14-11-2015م.–www.emasc-uae.com 
17- التقرير الأمم الصادر في مارس 2015 : مصر والإمارات هربتا أسلحة إلى ليبيا"، الجزيرة نت، www.aljazeera.net . - 
18- بوابة الشرق الإلكترونية، الملف الأسود للإمارات في ليبيا، تاريخ النشر 29-7-2017م. 
19- بوابة الشرق الإلكترونية، الملف الأسود للإمارات في ليبيا، تاريخ النشر 29-7-2017م. 
-https://www.al-sharg.com. 
20- أ. فاطمة مساعيد، مستقبل الدور القطري في ضوء الثورات العربية بين التراجع والتمدد، دفاتر سياسية، العدد : 11، 2014م. 
21- الموقع الإلكتروني إيوان ليبيا... ليبيا المستنقع الذي أغرق قطر-www.ewanlibya.ly . 
22- رشا العشري، ليبيا ومقاطعة قطر... الانقسامات والتداعيات، السياسة الدولية، العدد : 15237، تاريخ النشر 29-8-2017م. 
23- مركز الإمارات للسياسات، تحولات السياسة التركية تجاه ليبيا الدوافع والانعكاسات، وحدة الدراسات التركية، 2016م. 
-www.epc.ae. 
24- كامل عبد الله، "مستقبل الأزمة الليبية: الحلول والتحديات"، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ج.م.ع، العدد: 38، السنة الرابعة، 2017م. 
25- موسى الحديد، التحولات والثورات الشعبية في العالم العربي : الدلالات الواقعية والآفاق المستقبلية، مركز دراسات الشرق الأوسط، ط. 1، 2011م. 
26- مقال منشور على الموقع الإلكتروني ليبيا الخبر... 
-www.libyaalkhabar.com. 
27- د. هشام بشير، "وقائع التدخل الفرنسي في ليبيا"، جريدة الأيام الإماراتية، الصادرة في 7-8-2016م، العدد: 7390. 
28- محمود عبد الواحد، ،تموضع القوى السياسية والعسكرية في ليبيا ومستقبل الصراع، مركز الجزيرة للدراسات، 2016م. 
29- كريم ميزران وإليسا ميلر، "فرنسا وإيطاليا والأزمة الليبية"، مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، 2017م. 
-www.achaririecenter.org. 
30- عبد الباسط غبارة، الموقف الإيطالي من الأزمة الليبية، بوابة إفريقيا الإخبارية، أبريل 2017م. 
-www.afrigatenews.net. 
31- محمد الطاهر، إيطاليا تتهم ماكرون بالسعي إلى سرقة ليبيا. -https://arabic.com 
32- الموقع الإلكتروني إيوان ليبيا. 
-www.ewanlibya.ly 
33- د. جبريل العبيدي، ليبيا واستفزاز وزيرة الدفاع الإيطالية، مجلة الشرق الأوسط، العدد : 14462. 
34- ياسين بودهان، "دور الجزائر في حل الأزمة الليبية"، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أغسطس 2014م. 


الإحالات


[1] المهدي ثابت، "ليبيا والمخاطر المهددة للمشروع الوطني"، مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية بتونس، ديسمبر 2017، تاريخ الزيارة :16-6-2018م، التوقيت 10:45. 
[2] محمود عبد الواحد، ،تموضع القوى السياسية والعسكرية في ليبيا ومستقبل الصراع، مركز الجزيرة للدراسات، 2016، ص : 1. 
[3] كامل عبد الله، "مستقبل الأزمة الليبية : الحلول والتحديات"، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ج.م.ع، العدد : 38، السنة الرابعة، 2017، ص : 35.36.
[4] د. زياد عقل، "الأزمة الليبية والتحرك المصري"، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، ديسمبر 2014، العدد : 2167. 
- acpss.ahram.org.eg. 
[5] د. زياد عقل، "مستقبل الأزمة الليبية : الحلول والتحديات"، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، العدد : 38، 2017، ص : 18. 
[6] زياد عقل، مرجع سابق. 
[7] زياد عقل، "المصري في الأزمة الليبية"، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، العدد : 2704، يناير 2017، ص 3. 
[8] د. أميرة عبد الحليم، "الأزمة الليبية ومواقف دول الجوار في الساحل الإفريقي"، مركز الأهرام للدراسات والإستراتيجية، العدد=5418، مارس 2018م، ص2. – acps.ahram.org.e.g 
[9] د. زياد عقل، "دور الجوار وحلحلة الصراع السياسي في ليبيا"، مركز الاهتمام للدراسات والإستراتيجية، العدد= 7417، 16-03-2017م، ص 4. – http://acpss.ahram.org.eg
[10] صابرين بن جمعة، أي دور لتونس في الأزمة الليبية، مجلة أصوات مغاربية، 2017م. 
- https://www.maghrebvoices.com. 
[11] توفيق المديني، اجتماع تونس وحل الأزمة الليبية، العربي الجديد، فبراير 2017. 
الموقع الإلكتروني لمجلة العربي : - https://www.alaraby.co.uk
[12] نفس المرجع السابق. 
[13] أميرة محمد عبد الحليم، "تدخل الجزائر في الأزمة الليبية: تفادي التورط العسكري" الأهرام، العدد 46789، يناير 2015، تاريخ الزيارة 25-6-2018م، 02:35. – www.ahram.org.eg. 
[14] ياسين بودهان، "دور الجزائر في حل الأزمة الليبية"، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أغسطس 2014، تاريخ الزيارة 25-6-2018م، التوقيت: 03:20 نقلا عن : www.washingtoninstitute.org. 
[15] نفس المرجع، ص : 13-14. 
[16] نفس المرجع، ص : 17. 
[17] منية فاضل، مفتاح الحل في ليبيا: قطر والإمارات، مجلة البيت الخليجي للدراسات والنشر، نوفمبر 2015. 
-https://gulfhouse.org. 
[18] حسن زنيند، لغز تدخل الإمارات في ليبيا، أغسطس 2014، تاريخ الزيارة 27-6-2018. 
-www.dw.com 
[19] مركز الإمارات للدراسات والإعلام، "عمق تورط الإمارات في ليبيا..حصاد ما قبل الكارثة"، 14-11-2015، تاريخ الزيارة 27-6-2018، ص : 3. –www.emasc-uae.com 
[20] التقرير الأمم الصادر في مارس 2015 : مصر والإمارات هربتا أسلحة إلى ليبيا"، الجزيرة نت، تاريخ الزيارة 27-6-2018م. www.aljazeera.net. - 
[21] بوابة الشرق الإلكترونية، الملف الأسود للإمارات في ليبيا، تاريخ النشر 29-7-2017، تاريخ 27-6-2018م. 
[22] بوابة الشرق الإلكترونية، الملف الأسود للإمارات في ليبيا، تاريخ النشر 29-7-2017، تاريخ الزيارة 27-6-2018م، التوقيت 12:45. 
-https://www.al-sharg.com. 
[23] أ. فاطمة مساعيد، مستقبل الدور القطري في ضوء الثورات العربية بين التراجع والتمدد، دفاتر سياسية، العدد : 11، 2014، ص : 10. 
[24] الموقع الإلكتروني إيوان ليبيا... ليبيا المستنقع الذي أغرق قطر ، تاريخ الدخول: 28-6-2018م، التوقيت 15: 12. 
-www.ewanlibya.ly. 
[25] رشا العشري، ليبيا ومقاطعة قطر... الانقسامات والتداعيات، السياسة الدولية، العدد : 15237، تاريخ النشر 29-8-2017م، تاريخ الزيارة 28-6-2018م، التوقيت 10:25. 
[26] مركز الإمارات للسياسات، تحولات السياسة التركية تجاه ليبيا الدوافع والانعكاسات، وحدة الدراسات التركية، 2016، ص : 3-4. 
-www.epc.ae. 
[27] أحمد نظيف، "حزب أردوغان السرية في ليبيا"، المرصد، العدد : 14، فبراير2018، ص : 25. 
[28] موسى الحديد، التحولات والثورات الشعبية في العالم العربي : الدلالات الواقعية والآفاق المستقبلية، مركز دراسات الشرق الأوسط، ط. 1، 2011م، ص : 64-65. 
[29] مقال منشور على الموقع الإلكتروني ليبيا الخبر... 
-www.libyaalkhabar.com. 
[30] د. هشام بشير، "وقائع التدخل الفرنسي في ليبيا"، جريدة الأيام الإماراتية، الصادرة في 7-8-2016م، العدد : 7390. 
[31] أحمد قاسم حسين، التنافس الفرنسي الإيطالي، مجلة العربي الجديد، مايو 2018. 
-https://www.alaraby.co.uk. 
[32] كريم ميزران وإليسا ميلر، "فرنسا وإيطاليا والأزمة الليبية"، مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، 2017، تاريخ الزيارة : 30-6-2018، التوقيت 10 : 12. 
-www.achaririecenter.org. 
[33] عبد الباسط غبارة، الموقف الإيطالي من الأزمة الليبية، بوابة إفريقيا الإخبارية، أبريل 2017، تاريخ الزيارة : 30-6-2018م. التوقيت 32 : 02. 
-www.afrigatenews.net. 
[34] محمد الطاهر، إيطاليا تتهم ماكرون بالسعي إلى سرقة ليبيا، تاريخ الدخول 30-6-2018، التوقيت: 50 : 02. 
الموقع الإلكتروني : -https://arabic.com 
[35] الموقع الإلكتروني إيوان ليبيا. 
-www.ewanlibya.ly 
[36] د. جبريل العبيدي، ليبيا واستفزاز وزيرة الدفاع الإيطالية، مجلة الشرق الأوسط، العدد : 14462، تاريخ الزيارة 3 يوليو 2018، التوقيت : 43 : 10. 
[37] زياد عقيل، التدخل الروسي في ليبيا، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية" تاريخ الزيارة 3-7-2018، التوقيت 52 : 11. 
الموقع الإلكتروني : - www.ahram.org.eg/news. 
[38] أيغور دولانويه، "ليبيا : الورقة الروسية الجديدة" ترجمة حميد العربي، orientxxl، تاريخ الزيارة : 3-7-2018م، التوقيت 35 : 12.
أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكادير - جامعة ابن زهر

ليست هناك تعليقات:

التعليقات تنشر بعد المراجعة و المصادقة من طرف المشرف

صور المظاهر بواسطة Storman. يتم التشغيل بواسطة Blogger.